خالد السيد يكتب: سد النهضة وتحديات الدبلوماسية المصرية


مفاوضات مصر بشأن «سد النهضة» ، والاصرار على انجاحها تأتي من منطلق ريادتها للقارة الإفريقية وحرصها على الموازنة بين المصالح المشتركة بين دول حوض النيل والمصالح الخاصة لكل دولة ، فلا يفهم منها ضعف موقف مصر وقلة حيلتها ولكنها تتعامل بحكمة دون مصادرة لحقوق اثيوبيا في تحقيق التنمية المنشودة ، ولكن انتهاج الدولة الدبلوماسية المصرية كل البدائل للوصول الى الحل السلمي بعيدا عن التلويح باستخدام الخيار العسكري الاخير.
فلا زالت المفاوضات مطروحة رغم الوعود الفائتة المنقوضة من الجانب الاثيوبي وتصريحاته بتمسكه بما يصفه بـ«حقوقه» على أمل من الجانب المصري نجاح المفاوضات وألا تنتهي لما لايحمد عقباه وتصاعد حدة النزاع بين البلدين ، وهو ما تسعى اليه عددا من الدول الداعمة للارهاب والحرب على مصر ، ولكن القيادة السياسية الحكيمة ومدرسة مصر الدبلوماسية ومكانتها الافريقية والعالمية تخيب آمال الاعداء، وتسعى جادة في انهاء الخلاف قبل أن يحتدم إلى نزاع وصراع لايحسم بغير الخيار الأخير الذي تأسف مصر أن تلجأ إليه للدفاع عن حق أصيل من حقوقها لا تلام في محاولتها للدفاع عنه حال إعلان اثيوبيا ملء خزان السد ، وهو الموقف الذي واجهته مصر بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية لحشد دعم دولي لموقفها الرافض لأي إجراء «أحادي» يؤدي لأضرار على حصتها المائية في مياه نهر النيل أمام التعنت الإثيوبي الزاعم أن سد النهضة قضية شرف وطني ؛ لن نتخلى عنه ، ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه.
على الرغم من توصل المفاوضات على مدى الأشهر الماضية الى وضع مواد محددة قانونية وفنية، شارك فيها كل من الجانب السوداني والإثيوبي بوفود كبيرة، تضم خبراء في المجالات كافة وتوصلت إلى تفاهمات وتوافقات على الغالبية العظمى منها، لكن أتت إثيوبيا في الجولة قبل الأخيرة وتشككت في بعض ما كانت قد أخطرت بموافقتها عليه، بينما كان هناك توافق على كل العناصر، ومنها الاتفاق الفني المرتبط بسنوات ملء الخزان، وبأي معدل ، حيث تبرز اهم نقاط الخلاف في تعبئة خزان السد، الذي تصل قدرته الاستيعابية إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، وان كانت مصر أبدت «مرونة، وقبلت جدول الملء الذي طرحته إثيوبيا، ووجدت أنها تستطيع أن تتعامل مع فكرة الملء الأول الذي يستغرق عامين، ثم بقية مراحل الملء التي تستغرق 4 سنوات، وفقاً لجدول محدد إلا أن المواقف الإثيوبية الأخيرة جعلتها فاقدة تماماً للمصداقية دولياً، وأظهرت بجلاء أنها لا تريد فقط توليد الطاقة، بل تتصرف بصفتها مالكة للنهر الذي يمر بـ11 دولة.
وهو ما يجعل استغلال مياهه مشروط بمصالح باقي الدول مما يعرّض منطقة حوض النيل الشرقي لخطر الانزلاق إلى صراع طويل المدى ، بعدما أثبتت مصر طوال السنوات الماضية، وبكل الوسائل، مدى حرصها على نهج التعاون، واقتسام المصالح، والتشارك في التنمية فلا سبيل أمام التعنت الإثيوبي سوى تصحيح المسار، والعودة إلى الإطار القانوني والسياسي الذي يحمي حقوق مصر المائية، وفقاً للقانون الدولي.
واستطاعت مصر أن تحصل على ثقة البنك الدولي والولايات المتحدة. وموقف القاهرة، وتوقيعها بالأحرف الأولى على مسودة الاتفاق الأميركي، في مقابل التعنت الإثيوبي، والانسحاب قبل التوقيع، «ورقة رابحة» يمكن استخدامها كتبرير لأي إجراء مستقبلي تعتزم مصر القيام به في سبيل الحفاظ على حصة مصر من مياه النيل المحمية بموجب كثير من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وأن مصر ملتزمة بكل الإجراءات الدبلوماسية للحفاظ على حقوقها وفق قواعد استخدام مياه الأنهار التي أكدتها المحاكم الدولية في أكثر من قضية، ومنها حكم محكمة العدل الدولية عام 1937، في نزاع بين إسبانيا ودولة مجاورة لها، أرست خلاله المحكمة كل مبادئ استخدام الأنهار.
وتناولت محكمة العدل الدولية عدداً كبيراً من القضايا حول استخدام الأنهار خلال السنوات العشرين الأخيرة ، وهذا مؤشر على وجود مشكلات في استخدام المياه، وهي قضايا في أوروبا وأفريقيا، وبشكل كبير في أميركا اللاتينية، وهذا دليل على وجود الحل وفق قواعد القانون الدولي ، فلم يتحين التكلم عن أي خيار عسكري للتعامل مع النزاع ، فمصر منفتحة برغبة صادقة في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة، على نحو يمكن إثيوبيا من تحقيق التنمية الاقتصادية التي تصبو إليها وزيادة قدراتها على توليد الكهرباء التي تحتاجها، آخذة في الاعتبار مصالح دولتي المصب مصر والسودان وعدم إحداث ضرر لحقوقهما المائية
وختاما مصر دائماً لديها الاستعداد الكامل للتفاوض من أجل ضمان مصالح جميع الأطراف وعدم اتخاذ أية إجراءات أحادية .