الإنسان الأول كان لا يعرف ما تحت الأرض ولا يعرف أنه لابد أن يدفن فى الأرض ، أول حالة دفن كانت لإنسان مقتول كانت جريمة قتل عمد وياليت هذه الجريمة كانت بين أعداء بل كانت بين إخوة أشقاء.

لابد أن ننتبه

أول إبنين لآدم وحواء هما قابيل وكان مزارعاً وهابيل وكان راعياً للغنم والغيرة والكيد والحقد والغل وضعف الإيمان كانوا سبب وقوع الجريمة .

قتل قابيل أخيه هابيل طمعاً فى السعادة ، إختار قابيل أن يسعد على حساب حياة أخيه ، وقبل هذه الواقعة لم يكن هناك إنسان ميت ولم يكن يعرف أحد شئ عن القبور ولم يكن يعرف أنه سيبقى تحت الأرض بعدما كان فوقها .

فى البداية

كان الأمر صعباً بعدما مات هابيل حدَّث القاتل نفسه ماذا أفعل كيف أطمس معالم الجريمة فعجز حيث لا يعرف القبور وفجأة جاء غرابين يقتتلان فقَتل أحدهما الآخر وقابيل القاتل ينظر فإذا بالغراب القاتل يدفن الغراب المقتول فعلم قابيل أن الإنسان يوارَى تحت الأرض ، وكان أول قبر فى التاريخ قبر لمظلوم مجنى عليه ، والقبر هو الشئ الذى يُخفى دون أن يُبقى أثر، وقبور الأرض سترة للإنسان تخفيه حتى لا يَبقى له أثر ، وبذلك كان قطعاً وجود القبور تحت الأرض لأنها تخفى معالم الإنسان نهائياً ، ولكن الميت يفنى جسده ويبقى عمله بين الأحياء ، وأعمالنا وكلماتنا إذا متنا إنتفضت وعاشت بين الأحياء.

وقد أطلق الناس صفة الموت على الأحياء مجازاً وصفاً لحالهم فقالوا إنسان ضميره ميت وإنسان إحساسه ميت وإنسان قلبه ميت ،فوصفوهم بأجساد كالقبور ما بداخلهم ميت ، هؤلاء الناس قبوراً تمشى على الأرض أجساد بلا إحساس أو مشاعر تتعامل مع الآخرين بلا رأفة أو رحمة شغلهم الشاغل هو إفساد أوقات الفرح وإنهاء حالات السعادة يستمدون سعادتهم من حزن الآخرين ، وجسد الإنسان إما أن يكون قصراً أو قبراً ، فالقصر العامر بالخير يدعو الناس ليكرمهم ويجمعهم تحت مصابيحه والقبر الخراب ينتظر موت الناس ليدفنهم وينهى آمالهم .

فإذا إختار الإنسان أن يُسعد الناس دائماً داعماً لهم محباً للخير حتى لو على حساب نفسه فقد إختار أن يبقى حياً بقلب حى وضمير حى ومشاعر نامية وإذا إنتهت حياته بقيت أعماله وكلماته ، وإذا إختار سعادته بالدنيا وتجاهل العطاء وسعادة من حوله فقد إختار الحزن والكره والموت بين الأحياء ، فقد إختار هابيل الحياة رغم أنه مات ، واختار قابيل الموت رغم أنه لم يمت ، وصدق القائل ، قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم وعاش قومٌ وهم فى الناسِ أمواتٌ ، أجسادهم قبوراً تمشى على الأرض .