نيفين منصور تكتب: إبني والشجرة


عندما كان إبني في عامه الثالث ألحقته بإحدى المدارس الخاصة العريقة ذات التاريخ الطويل والتي أخرجت أجيال متعددة من الطلبة والطالبات ، ولكنه لم يكن سعيداً علي العكس تماماً ، كان دائم الخوف أثناء تواجده في تلك المدرسة ، ولَم يكن يحبها علي الإطلاق، وعندما حاولت فِهم السبب، فوجئت بأنه يكره المدرسة لوجود شجرة عملاقة بها تٌلقي عليه ثمرات صغيرة حمراء مستديرة شبيهه بحبات التوت الأحمر ، تلك الشجرة كانت متواجدة منذ إنشاء المدرسة ومرت عليها أجيال متعاقبة من الأولاد والبنات، ولكنها أصبحت بالنسبة لإبني وحش مخيف يكره المدرسة بسبب وجود تلك الشجرة وبسبب ثمارها التي تتساقط عليه من إرتفاع عال وبصورة دائمة ويومية.
قررت بعد محاولات جسيمة بائت بالفشل لإقناعه بأنها مجرد شجرة ولا داعي للخوف منها ، أن أقوم بنقل إبني من تلك المدرسة وإلحاقه بمدرسة أخري أهم شروطها عدم وجود شجر عتيق شاهق الإرتفاع يسقط ثمرات حمراء مستديرة، وبالفعل تغير الحال وبدأ إبني يشعر بالأمان وبدأ يتفاعل مع المدرسة الجديدة ويتعايش معها دون خوف من العملاق الشاهق الذي كان يُشعره دائماً بصغر حجمه وقلة حيلته.
هذا الموقف لم أنساه طوال حياتي رغم مرور سنوات طويلة علي إنقضائه، وجعلني أفكر طويلاً، هذا الطفل الصغير كان يري تلك الشجرة بنظرة مختلفة عن وضعها الحقيقي، إرتفاعها الشاهق ، ثمارها، كانت بالنسبة له مفزعة، فتحولت مصدر للرعب مستديم، لم يرتاح إلا بزواله.
الموقف ليس بغريب فلكل منا مصدر يرعبه، قد يكون إنسان أو حيوان أو جماد ، وتتحول الحياة معه إلي جحيم لا يزول إلا بزوال المؤثر الذي يطارد الشخص ويزعجه طالما كان موجوداً في حياته، هل حاولت الجلوس مع نفسك قليلاً لتحدد مصادر مخاوفك؟محاولاً لإيجاد حل للتخلص منها؟
أعتقد أننا جميعاً نحتاج لتلك الوقفة مع النفس ، نحتاج للتخلص من مصادر الرعب التي تدمر حياتنا، وتقتل الطمأنينة في القلوب، نحتاج جميعاً للتخلص من الشجرة، كل حسب شجرته، و إذا لم تستطع التخلص من مصادر مخاوفك فحاول علي الأقل إيجاد الحلول اللازمة للتعايش معها وتدريب نفسك لتتعامل معها حتي يأتي الوقت المناسب للتخلص منها.
الحياة الممتلئة بالرعب والخوف الدائم تقتل السعادة وتحول الإنسان إلي مريض نفسي يرتجف خوفاً من تلك المصادر، لا يستطيع أن يتخذ قراراً سليماً ، مٌدمَر نفسياً يحيا مرعوباً ربما خوفاً من شخص مسيطر علي حياته، أو ربما من مكان يشعره بالرعب وبمزيج من الذكريات المخيفة وربما يتحول حيوان صغير إلي وحش كاسر في عين إنسان يهابه، ويحول حياته إلي جحيم.
عندما كنت صغيرة كانت القطط هي مصدر رعبي الوحيد، رغم صغر حجمها إلا أنني لم أستطيع التفاعل معها ،حاول أبي رحمة الله عليه أن يخلصني من هذا الرعب فاستضاف قطة إحدي قريباتي لعدة أيّام لعلي أتعود عليها وأنزع الخوف من داخلي ولكن ما حدث كان العكس لم أتخلص من مخاوفي و أصيبت القطة بالاكتئاب من الوحدة وعدم تفاعلي معها وفِي النهاية اضطر أبي لإعادة القطة إلي قريبتي حفاظاً علي حياتها بعد إصابتها بالاكتئاب من الحياة معي ، وعلي الرغم من عدم حبي لذلك المخلوق الصغير إلا أنني أعشق الكلاب الضخمة والتي تصيب غيري بالذعر.
إذا جلست مع نفسك ووضعت أمامك مصادر الخوف التي ترعبك سوف تجد أن الجميع مختلف، ما تخافه قد يسعد غيرك وما تحبه قد يخيف غيرك، الجميع مختلف رغم أننا جميعاً روح وتراب إلا أن لكل منا مصدر للسعادة ومصدر للخوف والرعب، ولكي تحيا حياة نفسية سليمة اقترب مما يسعدك وابتعد عما يخيفك، حاول أن تتخلص من الخوف إذا لم تستطع فتخلص من مصدر الخوف وعش حياة مستقرة، حياة تملؤها الطمأنينة.
وربما تكون المخاوف أكبر من تلك المخاوف الصغيرة التي يسهل السيطرة عليها والتخلص منها، كالخوف من أب ظالم، أو أم عنيفة، أو زوج مدمن، أو خوف من مدير للعمل أو خوف من المستقبل وتقلبات الزمان وهي مخاوف لا يسهل التعامل معها أو التخلص منها ، فتحتاج لتدريب نفسي وإيمان قوي بأن الله يصنع المعجزات ويستطيع أن يخلصك من تلك المخاوف أو تعويضك عن المعاناة التي تدمر حياتك وأنت تحيا مع تلك المخاوف.
قد تكون بعض المخاوف ابتلاء من المولي عز وجل ، في البداية يجب أن تضع تلك المخاوف أمام عينيك وتحدد تلك المصادر بكل دقة ، وتحاول إيجاد بعض الحلول للتعايش معها إذا لم تستطع التخلص منها، وإذا كانت تلك المخاوف عظيمة ولا يمكن التخلص منها ففوض أمرك إلي الله واقترب منه وزد يقينك واصبر واحتسب لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.