خط أحمر
الإثنين، 21 أبريل 2025 09:18 مـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

مقالات

خالد السيد يكتب: أثر فيروس كورونا على الالتزام التعاقدي

خط أحمر

أصبح هاجس فيروس "كورونا" المستجد حديث الساعة وموضع ترقب واهتمام واسع النطاق على مستوى المجتمع الدولي ، وقد شحذت كل الدول هممها وأخذت احتياطاتها وتدابيرها الاحترازية بما ترتب عليه تعطيل جميع الأنشطة وما يترتب عليها من مصالح متبادلة بين الدول والتزامات واجبة يترتب على مخالفتها والاخلال بها شروط جزائية وعقوبات مالية باهظة ، على مستوى الشركات العاملة بالتجارة سواء الداخلية اوالدولية وعلى مستوى اقتصاديات الدول والالتزامات المالية والضريبية ، وهو ما يمثل إشكالية ذات أبعاد قانونية واقتصادية واجتماعية مرتبطة بالأمن الصحي العالمي وبالعوائق والإكراهات الناجمة عنها في مجال تبادل السلع والخدمات ، حيث طالعتنا الأخبار عن إلغاء وتأجيل عدد من الرحلات الجوية والأسفار السياحية وهو ما تضرر معه الشركاء والمؤسسات المعنية بها ، مما دفع عدد من المؤسسات والشركات العالمية خاصة الصينية والأمريكية منها المتخصصة في مجالات مختلفة مثل صناعات السيارات والنقل الجوي والمواد البترولية والغازية ، بوجود حالة ( القوة القاهرة ) من أجل التحلل من التزاماتها التعاقدية تجاه عملائها وعدم أداء غرامات التأخير أو التعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته .

وهو ما جعل عددا من الدول تبادر خلال الأيام القليلة الماضية إلى تبني هذا الموقف ودعمه ، بهدف حماية الاستقرار وعدم السقوط في مغبة القلق والهلع الاقتصادي. وهو ما يثير جدل ونقاش قانوني اقتصادي حول موضوع القوة القاهرة الذي يعد من المواضيع المعقدة التي تحتمل كثيرا من التأويلات واختلاف وجهات النظر حول مدى توافر شروط هذه القوة القاهرة من عدمه ، خاصة عندما نكون أمام وباء صحي عالمي تختلف آثاره بين السلبية والإيجابية باختلاف المواقع والمؤسسات ، وباختلاف الظروف المحيطة بالتعاقدات المتنازع بشأنها ، إذ إن بعض القطاعات على خلاف الباقي عرفت نموا كبيرا بسبب انتشار هذا الفيروس، خاصة تلك المتعلقة بالتجارة الإلكترونية . وقطاع الخدمات الصحية والمستلزمات الطبية .

لا شك في أن فكرة "العقد شريعة المتعاقدين" تنبني على ثلاث أسس: أولها قانوني قوامه مبدأ سلطان الإرادة، وثانيها أخلاقي يتمثل في احترام العهود والمواثيق، وثالثها ذو طابع اجتماعي واقتصادي يترجمه وجوب استقرار المعاملات. وهي فكرة توجب احترام مضمون العقد سواء من طرف المتعاقدين أو من جانب القضاء .

لكن الأوبئة الصحية كواقعة مادية صرفة تكون لها آثار سلبية واضحة يمكن رصد ملامحها على العلاقات القانونية بوجه عام والعلاقات التعاقدية على وجه الخصوص حيث تتصدع هذه الروابط نتيجة ركود يصيب بعض القطاعات الاستثمارية مما يجعل من المستحيل أو على الأقل من الصعب تنفيذ بعض الالتزامات أو يؤخر تنفيذها . وهو وضع يمس المؤسسات الصناعية والتجارية الخاصة والعامة، الصغيرة والكبيرة والمتوسطة على السواء، بالنظر للارتباط الكبير والوثيق بين أنشطتها حيث يكفي أن تصاب إحداها بأزمة اقتصادية لكي تهدد الأخريات بدورها .

ومن هنا تبنى الفكر القانوني والاجتهاد القضائي عبر العالم آليتين تعتبران من الوسائل الحمائية للمدينين الذين يصبحون مهددين بالإفلاس أو على الأقل أصبحت ذمتهم المالية مصابة بتصدع خطير . هاتان الآليتان هما نظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة التي ترميان إلى علاج الحالات التي يصبح فيها الالتزام التعاقدي مستحيل التنفيذ ( القوة القاهرة ) أو صعب التنفيذ ( الظروف الطارئة ) . وهما في الأصل يعدان تطبيقا لمبدأ أخلاقي عام قررته الشريعة الاسلامية الغراء ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) بمعنى أن المسؤولية العقدية قد ترفع عن صاحبها إذا ما تمسك بأحد الأسباب الأجنبية عنه والتي تمثل في جوهرها كل الظروف والوقائع المادية أو القانونية التي يمكن للمدعى عليه في دعوى المسؤولية المدنية أن يستند إليها لكي يثبت أن الضرر لا ينسب إليه ولا دخل له فيه وإنما هو نتيجة حتمية لذلك السبب . وتمثل القوة القاهرة أهم صور هذا السبب الأجنبي .

ومن الناحية الشرعية فقد سبق صدور قرار مجمع الفقه الاسلامي في دورته الخامسة بإقراره نظرية الضرورة ، حيث تعد الظروف الطارئة تطبيق من تطبيقات نظرية الضرورة ، بغية رفع الضرر عن أحد المتعاقدين الناشئ عن تغير الظروف التي تم إبرام العقد فيها، ولقد ساقوا عدة أدلة للقول بصحة الأخذ بنظرية الظروف الطارئة لإعادة التوازن المالي للعقد نتيجة الأزمات الاقتصادية كوسيلة من وسائل إقامة العدل الذي هو من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية في باب المعاملات، ومن المعلوم أن الله عز وجل لم يحصر طرق العدل في طريقة دون غيرها، ولكن أينما يكون العدل فثم شرع الله ودينه ، وضرورة رفع الضرر عن المضرور ، وذلك بتعويض المتعاقد عن الضرر الذي حاق به لسبب لا دخل لإرادته فيه، وذلك تطبيقاً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار"، والقواعد الفقهية القائلة: " الضرر يزال "، " الضرورات تبيح المحظورات "، "درء المفاسد أولي من جلب المنافع " وأخيراً " الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف". وتأكيداً لما سبق فقد انتهي مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة في دورته الخامسة عام 1404هـ، إلى الأخذ بتطبيق نظرية الظروف الطارئة وذلك أثناء حدوث الأزمات الاقتصادية ، على سبيل المثال العقود المتراخية التنفيذ (كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات )

و بتطبيق النظرية على فيروس " كورونا " من ناحية مدة توافر شروطها التشريعية من عدم التوقع واستحالة الدفع وعدم صدور خطأ من المدين المتمسك بالقوة القاهرة . نستخلص منها أن انتشار وباء صحي كواقعة مادية قد تكون قوة قاهرة كلما كان لها تأثير مباشر على عدم تنفيذ الالتزام التعاقدي من طرف المدين إذا ما توفر لها شرطان أساسيان وهما عدم التوقع واستحالة الدفع بالكيفية التي سبق توضيحها أما الشرط الثالث المتمثل في خطأ المدين فيظل في هذه الحالة بالخصوص حالة فيروس "كورونا" عنصرا غير مطلوب منطقيا ؛ بل إن الظروف المحيطة بانتشار الفيروس أو تلك المتولدة عنه بصفة مباشرة أو غير مباشرة قد تكون بدورها عبارة عن قوة قاهرة ومن ذلك مثلا وقف استيراد بعض المواد الأولية أو رفع أسعار بعضها الآخر . فالقوة القاهرة لم تعد محصورة على وقائع محددة دون غيرها فكل واقعة تحققت بشأنها الشروط وجعلت التنفيذ مستحيلا إلا وعدت حالة من حالات القوة القاهرة .

ويبقى بطبيعة الحال المدين هو الملزم بإثبات توافر هذه الشروط على سبيل اليقين لا الشك والاحتمال وتتشدد عادة المحاكم العليا في مراقبتها لقضاة الموضوع أثناء تعليلهم لسلطتهم التقديرية في ذلك ، وهنا نتوقع حدوث نقاش جاد حول التاريخ الواجب اعتماده لإعلان ظهور فيروس "كورونا"، هل تاريخ إعلانه بالصين؟ أم بالبلد الذي توجد به الشركة التي تتمسك بالقوة القاهرة ؟ أم التاريخ الذي حددته منظمة الصحة العالمية ؟ خاصة وأننا أمام وضع صحي عالمي يثير الكثير من التساؤلات، والإشكالات ذات بعد اقتصادي وقانوني وتتطلب منا مقاربة حكيمة تضمن التوازن العقدي وتكرس الدور الأساسي للقضاء في تحقيق الأمن القانوني والاجتماعي المنشود قبل اعتبار إنتشار فايروس كرونا من القوة القاهرةforce majeure في العقود واعطاء الحق لأي طرف أن يتحلل من التزاماته التعاقدية بسبب القوة القاهرة المتمثلة في انتشار فايروس كرونا طالما أن ظهوره وانتشاره حدث غير متوقع وهناك إستحالة في دفعه وحدث خارجي أي خارج عن إرادة المتعاقدين ومؤثر قوي في تنفيذ التعاقدات فإنه يُعد قوة قاهرة تعطي الطرفين الحق في التحلل من المسؤولية العقدية بشرط أن يرتبط موضوع العقد وطبيعته ونشاطه بالمشكلة الحالية ، وفي هذه الحالة فقط يعتبر قوة قاهرة وفيما عدا ذلك فإنه يخضع لاعتبارات تقدرها السلطة القضائية حسب كل تأثر حالة على حدة .

خالد السيد أثر فيروس كورونا على الالتزام التعاقدي خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة