سارة درغام تكتب: ماذا يعني أن تقع في حُب النظرات ؟


ربما كان عليّ أن أتجاهل أول نظرة، أن أستعجل في النظر لعينيه خشيةَ الأذى، أن أبتسم من غير إلتفات، أن أسمع من غير إنصات.. ربما كان عليّ التفادي من نظرته الأولى .. من عينيه قبل كلامه.
هل تدرك ماذا يعني أن تقع في حُب النظرات ؟ النظرة الخاطفة والمتعمدة أيضًا، النظرة التي بطرفها ابتسامة، نظرة اللقاء الأول التي تسرق قلبك وتشعرك أن ما بقيَ في المكان غيركما.
أتدرك ماذا يعني أن تشعر أنك أصبحت سجين تلك اللحظة.. سجين لعينيه .. وفي لحظةٍ ما تشعر و كأن هذا الشخص قد أتى على مقاس أمنياتك تماماً، ملامحه، صوته، رائحة جسده، كتفه المخلوق لسندِ رأسك، طيشه، هدوءه وجنونه، طريقته في الحديث معك، في الإنصـات اليك، تحمُّل عصبيتك، جنونك، كلامك الغير مفهوم و مزاجك الغير مستقر، ذوقه الموسيقي، ثقافته فى الحيـاة، أن يمنحك كل شيء تمنيت أن يمنحهُ لكَ أحد.
أنا أؤمن بشعوري الأوّل، بانطباعي الأوّل حول الأشخاص، أؤمن تمامًا أن الشخص الذي غمرني بالفرح من نظراته في أوّل مرة؛ ستظل لديه القدرة لأن يغمرني بها إلى الأبد .. شعوري هكذا و في الوقت نفسه شعوري هو انه يجب عليي الابتعاد .. يجب عليي أن امضي دون الالتفات، ولقد عشت معك شعور أول مرة من كل شيء وهذا يكفي لأتذكرك دائمًا.. فكيف علييَّ أن أمضي ؟
وعشت معك شعور أول مرة من أنني اريد و لا أريد .. كم وددت لو أنّني مضيت، فقد أصبحتُ سجينةُ تلك اللحظة حتى الآن .. أعترف لك أني تورطتُ أكثر من اللازم، وأعرف أني سأُهزم و أن الوصول إليك مُحال، وأعرف أني أقامر برأسي وأن حصاني خاسر. وأعرف منذ البداية بأني سأفشل، وأني خلال فصول الرواية سأُقتل.
سأبكي و أكون وحيدة في الليالي الباردة.. أنعتك في اليوم ألف مرة و انعت الحب و أللوم نفسي ، أكرهك و أحبك في الدقيقة نفسها .
هل تعرف معنى أن تحمل رائحة أحدهم في داخلك أياماً كاملة، يسافر إلى بلد آخر و عند سفره تشعر بلمساته وحُبه و كأنه موجود معك اينما كنت، وكأن كل هذا حدث للتّو، أن تتذكر أول كلمة بينكما.. أول نظرة نظرها إليك.. أول مكان جمعكما سويًا، أدق التفاصيل في ذاكرتك حتى الآن وكأن هذا الوقت كله لم و لن يمضي؟
لا أخفي عليك ، حاولت و أحاول الإنشغال عنك و لكن جميع محاولاتي بائت بالفشل، أتجاهل كل الأحاديث التي تأتي بك فأجدني أحدق في الفراغ وأتخيلك، أهرب منك للأغنيات فأجدك هناك، أدّعي لآمُبالاتي بك وأنا أتلصص خلف كل شيء يعود إليك، كلما قلت بأنك لا تعنيني أجدني أحبك و أفكر بك دون توقف.
أنت الوحيد الذي لم أصنّف علاقتي به.. لأنه لم يكن ولا يوجد علاقة !! لا أفهم لما كل هذا ؟
أراك الأكثر من كل شيء دائمًا.. صديقي الأكثر.. قريبي الأكثر..أراك عالمي.. وضحكتي.. ثم يأتي من يحدّثني أو اتذكر أحاديثي عن الكبرياء.. والاعتياد.. والنسيان.. لا شيء يحدث من هذا معي حين تكون أنت.. أنت خارج حدود المنطق دائمًا.
أنت هو ذلك النوع من الحُبّ.. الذي لا تستطيع أن تخبر به أحد، ومع ذلك يظهر في صوتك وملامحك وتعاملك، هو الحبّ الأجمل على الإطلاق، مرحلة أنّك فجأة بمجرد إضاءة شاشة هاتفك تجد نفسك قد انعزلت عن العالم، عن كل المحيطين بك، وهم يراقبون بصمت كل التغيرات التي تحدث في وجهك وابتسامتك.
أنا ممتنة لكَ ، ممتنة لأول ضحكة بيننا، وأول أغنيه أهديتها لي، لأحاديثك البسيطه، ونُعاسك العفوي، في كل مرة أراكَ بها و أودعك أكون أحبك بفرحك، وبؤسك، وتفاصيلك الصغيره، نظراتك العميقة تلك، إلتفاتاتك البسيطة بين الثانية والأخرى، الإبتسامات المسروقة في وسط الزِّحام، كل الأشياء التي صَدرت منك استقرت في أعماقي مباشرة، أحبّك بِكُل ما أُتيت من قوة.
لا أريد شيء منك .. أريد قلبك و شعورك الصادق تجاهي .. صدق نواياك..
أنا لا أطلب منك علاقة حُب، لا أُريد أن نتشابك الأيدي أمام الناس، ولا أن نضع صورنا على الإنترنت، كل ما أُريده هو حديث معك غير مُنتهي، الحديث عن أشياء قد نُحبها وأُخرى قد تُزعجنا، أن تكتب لي في التاسعة صباحًا عن صخب يومك، في الثانية ظهرًا عن تعبك، في السابعة مساءً عن فنجان قهوتك، و في الثانية صباحًا عن حُبك الذي تخفيه.
أكتب لي، أخبرني عن تفاصيل يومك العادي، حدثني عن آرائك التي لم يَسمعها أحد، وانطباعاتك التي لم يهتم لها أحد، ثم نمّ مرتاحًا قد زال عنك ثقل يومك.
أكتب لي، أفهم خطك على تواضعه، أفهم مقصدك على تشتته، وأفهم كتابتك على عيوبها. من قال أننا يجب أن نكون بارعين في الكتابة لنوصل رسائلنا لمن نحب؟ فقط اكتب لي، قُل شيئًا تُحبه فأشاركك الشغف، قُل شيئًا تكرهه فأُشاركك الغضب، أو تحدث عن أشياء عابرة غير مهمه وسأشاركك إهمالها والقفز منها إلي ما تحب.
أكتب لي مراراً عن شعورك تجاهي و عن ما أجّلت كتابته لي أكثر من مرة.
ومع كل هذا أدرك غيابك منذ البداية، أو ما قبل البداية، أدركه شيئاً فشيئاً، كما كل الأشياء الجميلة، قدرها أن تَغيب، وقدري دائمًا أن أُخبر الحياة أنني فهمت دروسها جيدًا، لا حاجة لأي درس جديد، ولا حاجة للمزيد من الغيابات.. لكن أكثر ما أحزنني، هو أنك غبت سريعًا.. أسرع مما توقعت، كأن عندما تهدينا الحياة الشخص الذي نشعر تجاهه في الحب من اول نظرة فجأة و بدون سابق انذار الحياة بأكملها و العوامل الخارجية تتفق على أن لا شيء يكمل.
لماذا من بين آلاف الوجوه التي تعبرنا لا نسقط في حب إلا الوجه الذي لا نملك رؤيته إلا بشقِّ الأنفس؟ لماذا من بين كل الأكتاف الملاصقة لنا لا يسقط رأسنا إلا على الكتف الذي بيننا وبينه مسافة الأرض والعـادات والمجتمع؟ لماذا دائمًا يأتي الحب متأخرًا، قويًا، ومستحيلا؟
أعترف أنني احببتك من النظرة الأولى، و أعرف جيداً أن القدر لم يجمعنا سوياً لذلك أريد أن اقول لك :
لا داعي للقلق يا عزيزي "ربما في يومٍ ما نلتقي مرةً أخرى في الدقيقة السبعين، في اليوم الثامن من كل أسبوع، في الشهر الثالث عشر بالسنة و نعود لنحتسي القهوة سوياً و الوقوع في الحب مجدداً و أعود و أهديك اكياس البُن و القهوة.."
و في النهاية أريد أن أخبرك أنني ممتنة جدًا لكَ، لصوتك، لكل المشاعر الحقيقية التي تبادلناها، لكل الضحك، لكل الفهم، حتى المشاجرات و المشاكسات الجميلة.. و في كل مرة كنت أريد أن أقول لك: أحبَّك .. أحبَّك كثيراً.. و لكنني كنت أقول : شكرًا لك.. شكرا جدًا.. فقد اعتبرتها هي الكلمة المناسبة للتعبير عن كلّ الامتنان.. عن كلّ الحب.