خالد السيد يكتب: التحكيم في عقود الاستثمارات البترولية


البترول والطاقة بمختلف صورها في عالمنا الحديث تحتل مكانة كبيرة في شتى مجالات الحياة، فهي تعتبر بالنسبة لعدد غير قليل من الدول المصدر الأساسي لدخلها القومي .
وقد ظهرت أهمية الحاجة إلى إدراج شرط التحكيم في عقود استثماراتها نظرا لضخامة المصالح العليا المرتبطة بهذه العقود، لذلك فإنه من المستحيل أن تقبل شركات الإنتاج أو التنقيب أن تخضع المنازعات الناشئة عن هذه العقود إلى قضاء الطرف الآخر، وهو الدولة صاحبة الثرو ، إذ أن هذا القضاء سوف ينحدر عن جادة الطريق حيث بحثه للنزاع مراعاة منه لدولته ومصالحها القومية، ومن ثم فلن يجد الأطراف إلا طريق التحكيم سبيلا لفض المنازعات التي تنشأ بينهم لذلك كان أمرا مألوفا أن نجد اتفاق التحكيم منصوصا عليه في كافة عقود الاستثمارات البترولية والطاقة، بل وعادة ما نراه محددا ومفصلا على وجه الدقة لسد كل ثغرة تعرض هذا العقد للخضوع لقضاء الدولة مصدر الثروة .
وقد تأكد في السنوات الأخيرة أهمية الدور الذي يؤديه التحكيم باعتباره وسيلة أساسية لحل المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها، فنظرا لزيادة اهتمام الدولة بمجال التنمية الاقتصادية وإبرامها لكثير من العقود مع الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، وما قد ينشأ عن هذه العقود من منازعات، أصبح التحكيم الإداري هو الوسيلة المثلى لدى الشركات الكبرى العالمية للفصل في منازعات العقود التي تكون طرفا فيها.
وإذا كانت القوانين الوطنية وما تبعها من اتفاقيات دولية عملت على تعزيز دور التحكيم من خلال ضبط قواعده وتنظيم إجراءاته بما يؤمن توفير المناخ الملاءم للحريات التعاقدية الكاملة للأشخاص المعنوية، أو الأشخاص الطبيعية سواء كان على المستوى الوطني أو الدولي بغية تشجيع الاستثمارات ودورها في تحقيق التنمية..وإذا كانت عقود الاستثمار المتعارف عليها إقليميا ودوليا تهدف إلى تنفيذ المشاريع الانمائية الخدمية، وكذا تنفيذ مشاريع البنى الأساسية الممولة عن طريق الخواص ونظرا لأهمية العقود ونشأتها في إطار القانون العام ، فإن اللجوء إلى التحكيم في المنازعات التي قد تنشأ بسبب تنفيذها قد يقلل من تدخل الدولة ويحد من سيادتها ولاسيما دول العالم الثالث التي توجد بين خيارين – أحلاهما مر- بين قبول اللجوء إلى التحكيم لتشجيع الاستثمار وبالتالي تحريك عجلة التنمية وبين الاحتفاظ بمعالم سيادتها وما يترتب عن ذلك من تضييع رؤوس أموال ضخمة من شأنها أن تساهم في تقدمها وازدهارها.
والوسائل الدولية لتسوية المنازعات والتحكيم الدولي لاقت على وجه الخصوص قبولاً متزايداً في السلوك الدولي وانعكست في العديد من الاتفاقيات الجماعية والثنائية وفي التشريعات الوطنية وذلك لأنها تعطي ضمانات للمستثمر الأجنبي وتغنيه عن الانتظار الطويل والتعقيدات التي غالباً ما تتسم بها إجراءات التقاضي والانتقاد الأساسي الذي يوجه لتلك الوسائل الدولية هو أنها تخالف سيادة الدولة المضيفة باعتبار أن إقامة العدالة جزء من عمل الدولة ويجب ألا تعامل الدولة المضيفة كما لو كانت غير قادرة على القيام بتلك الوظيفة الجوهرية .ويعتبر كثير من الفقهاء أن الطرق الودية والمفاوضات والتوفيق وما إلى ذلك هي أفضل الوسائل لتسوية منازعات الاستثمار.