يعتقد البعض أن الرزق ينحصر فى ما تجنيه من مال أو مبانى أو أراضى أو ذهب وفضة أو أبناء فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا ولكن الحكماء يتعتقدون بخلاف ذلك فقد يكون الرزق فى الخلق الطيب وحسن معاملتك لأهلك وجيرانك وكف أذاك عن الناس ونجدتك للملهوف ومساعدتك للمحتاج وسد دين العاجز وعيادتك للمريض ومواساتك لأهل المتوفين ومسح جبين اليتيم وادخال السعادة على الفقراء ومحدودى الدخل ومساهمتك فى تجهيز عروس أو سداد مهر أعزب لتحفظهما عن الوقوع فى الحرام وربما بالتبرع بملابسك الفائضة عن حاجتك لمن يحتاجها.

كما يمكن تعريف الرزق بجمال روحك ونفسك فلا تضمر الكره والحقد لأحد بل يعتمر قلبك بالأيمان والصفاء والرضى وحب الخير للآخرين والشعور بآلام المرضى والمنكوبين كما يمكن أن يكون الرزق فى العقل الراجح والحكمة والقدرة على وزن الأمور بروية واتزان واتخاذ قرارات حاسمة فى الوقت المناسب وقول كلمة الحق فى وجه مسئول ظالم وبالشجاعة على الاعتراف بالخطأ وتصويبه وبالقدرة على الاعتذار لمن أخطأت فى حقه وباحترام نفسك وذاتك والبعد عن النفاق والتملق والوصولية والالتزام بالمبادئ السامية والأخلاق الحميدة والحلم والأناة وصون اللسان عن الزلل والوقوع فى أعراض الناس أو أكل أموال اليتامى أو ظلم الآخرين.

وقد يكون الرزق أيضا فى زوجة صالحة تسرك اذا رأيتها وتصون مالك وعرضك وتحفظك فى غيابك وتنشئ أولادك على مكارم الأخلاق وتذكرك بالخير فى غيابك وبعد وفاتك كما يمكن أن يكون الرزق فى أولاد بررة حسنى الخلق متفوقين فى دراستهم ومجدين فى أعمالهم وبارين بأهلهم فى كبرهم وعجزهم كما يمكن أن يكون الرزق فى العلم النافع الذى تنفع به نفسك وأولادك ووطنك وألا تبخل به على طالب علم فيكون لك صدقة جارية فى حياتك وبعد مماتك وسعيك الدائم لطلب العلم طالما بقيت على وجه الأرض وايضا يكون الرزق فى قدرتك على اعمار الأرض سواء بالاجتهاد فى عملك أو نقل خبراتك للآخرين أو انشاء مشروع يسهم فى تشغيل الأيدى العاملة أثناء التشييد وبعد انتهاء الانشاء فى التشغيل والصيانة.

وقد يكون الرزق فى البال الهادئ والسكينة والقناعة بما قسم الله لك فلا تنزعج من قلة الدخل أو الابتلاء بمرضك أو زوجتك أو أبنائك أو فقدان أحدهم فى حياتك واليقين دائما بأن الحياة كلها اختبارات وهنيئا لمن شكر وصبر واحتسب الأجر والثواب عند الله.

وقد يكون الرزق بتقوى الله فى عملك وأهلك وجيرانك ووطنك فتحسن العمل وتتقنه وتعلم أبناءك فضل اتقان العمل ومرؤوسيك فتكون قدوة صالحة وقد يكون الرزق فى تمتعك بصحة جيدة والاستمتاع بحواسك وقوتك فتكون حامدا شكورا واذا أردت اختبارا بسيطا فأغلق عيناك لدقائق معدودة ثم افتحها لتنعم برؤية الضوء ونعمة الابصار.

وقد يكون الرزق فى السمعة الحسنة فتجد من يشكرك ويعدد خصالك ويمتدح خلقك خاصة فى غيابك وقد يكون الرزق فى عمل تخدم به وطنك أو وظيفة تسهل بها أوجاع الناس وتحل مشاكلهم فتنال الثواب، كما يكون الرزق فى رعاية ابويك كبار السن وبرك بهما والسهر على راحتهما ومداواتهما من الأمراض فتنهل من نهر بركاتهما ودعواتهما الصالحة.

كما يمكن أن يكون الرزق فى الابتلاء بمرض أحد أبنائك مرضا مزمنا والصبر على علاجة وشكر الله على مبتلاك وتفويض الأمر لله واحتساب الأجر والثواب للخالق وربما يكون الرزق فى غلق أحد الأبواب لأن خالقك يريد بك خيرا فيفتح لك بابا آخر فيه كل السعادة وكل ماسبق ربما يكون بعضا من أشكال الرزق الذى لا نعلمه بمحدودية نظرتنا وضيق أفقنا فكلها نعم جزيلة تستوجب الحمد والشكر.