نيفين منصور..تكتب ..مرحلة الضباب


النفس الإنسانية تحتاج دائماً أبداً إلي المراقبة والدراسة الدقيقة، ويختلف التقييم وفقاً لاختلاف الزمان واختلاف الحضارات والثقافات المختلفة، ولكن تبقي بعض الثوابت التي لا يمكن أن نغفل عنها ، ربما نستطيع الوصول إلي بعض أسباب التغير النفسي بدراسة البيئة المحيطة لها ومتابعة العوامل الرئيسية المؤثرة عليها.
تتغذي النفس علي مجموعة من المشاعر التي تشكلها مع الوقت فإما أن تكون نفساً راضية مطمئنة وإما أن تتحول إلي نفس لوامة أو تصل إلي مرحلة الغفلة الكاملة فتصبح نفساً مغيبة تقضي علي صاحبها مع الوقت ، وأحياناً يصاحب الغفلة نوع من التطرّف الفكري والعاطفي.
والنفس في الأصل جزء صغير من روح تسكن في جسد من طين وترتبط بتلك الروح من خلال الحبل الممدود ، و قد تستطيع الروح أن تصل إلي عنان السماء وقد تتجول علي الأرض وتطوف بحثاً عن السكينة والطمأنينة ، قد تتآلف مع غيرها من الأرواح وقد تتنافر وتبتعد دون أن تعلم سر الانجذاب أو سر التنافر.
قد تحكم الظروف علي بعض الأنفس بحياة غير مستقرة أو حياة مفعمة بالمشكلات التي لا تنتهي فتنفر وتبحث عن مخرج لها بالهروب المستمر والطواف بين البشر بحثاً عن فرصة أفضل لحياة جديدة مختلفة تنسي تلك الأنفس مرارة الحياة السابقة والتي أجبرت أن تحياها دون رغبة منها في ذلك، وفِي طريقها إلي ذلك تحيا في ضباب مستمر ، تتخبط دون أن تدري عواقب الأمور ، تكاد لا تري الحقيقة من حولها وتظل تبحث عن طريق تسلكه قد تصل وقد تضل وتبقي في تلك المتاهة لفترات طويلة ، قد تخرج منها يوماً ما وقد تتوه إلي الأبد .
ربما في الأزمان والدهور الماضية كانت الحياة بكل ما فيها من مقومات محدودة الطرق ، مقوماتها تكاد تكون معدودة وطرق الهروب من الواقع قليلة ربما كانت بمحاولات حقيقية للهروب الفعلي من المكان الذي يجمع أسوأ الذكريات بحثاً عن حياة جديدة مختارة ، في الماضي كانت الأرض تتسع للجميع دون حدود أو شروط ورغم صعوبة وسائل التنقل حينها إلا أن الانتقال إلي أرض جديدة لحياة جديدة من الأمور المطروحة أمام النفس ومن الممكن أن ينجح في إعادة ترتيب النفس والتداوي من الآلام والجروح السابقة.
ومع اختلاف الظروف والزمان والمكان وتطور الحضارات والانفتاح التكنولوجي اللا محدود أصبح هذا التنقل من الأمور الصعبة والشبه مستحيلة،فأخذت تلك الأنفس تبحث عن طريق جديد للهروب فانتشرت الحياة السرية بشكلها الجديد وانقلبت الأنفس علي نفسها ،فاتخذت كل واحدة منها طريقاً مختلفاً لرفض الواقع والبحث عن الحياة الافتراضية داخل هذا الوهم الكبير الذي ربط الأرض بمن عليها وسهل الانتقال بين الدول من خلال الشبكة العنكبوتية التي قد تأخذك إلي أقصي أركان الأرض بكل ما عليها من عجائب وبشر.
وانتقل الضباب إلي هذا العالم الوهمي ، فتجد فيه الأنفس التائهة، التي تتخبط دون أن تدري نتيجة أفعالها ، حتي تصطدم بالواقع الأليم وتخسر مقدراتها ، ولا يختلف هذا العالم العنكبوتي عن عالم الروح الحقيقي، فيتفق كل منهما مع الآخر في الحجم والاتساع اللامحدود وحرية التنقل والعبور من عالم لعالم ، وربما يزداد في الخطورة لأن الروح بطبعها رغم غفلتها مبصرة، فلا يوجد غطاء عليها يعمي البصيرة ولكن النفس التي تسكن الجسد سجينة لهذا الإطار الطيني والفكر والعقل الذي تحكمه الغفلة ويقيده النسيان لذلك تغفل النفس أحياناً أنها مكشوفة في هذا العالم الافتراضي العنكبوتي حتي ولو حاولت التخفي بكل حيلة ممكنة.
الأخطر هو الاستمرار في الغفلة للأبد وعدم القدرة علي الرؤية وسط هذا الضباب اللانهائي فتتدمر الحياة تدريجياً دون أن يشعر صاحبها ويدخل نفسه بنفسه في متاهة الضياع والسقوط النفسي وربما يدخل في مرحلة التمرد للأبد فيخسر مقدراته وربما يخسر نفسه وآخرته ، لذلك يجب علي الانسان دائماً أن يدرب نفسه علي التحمل والصبر والتنبه واليقظة حتي لا يسقط في هاوية الضياع حيث لا رجعة ولا مفر ، كلما زاد اليقين بالمولي عز وجل كلما استطاعت النفس تقويم نفسها بصورة سليمة تساعدها علي تخطي المحن والفتن والآلام.