خط أحمر
الثلاثاء، 22 أبريل 2025 07:22 صـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

مقالات

الدكتور السيد الخطاري .. يكتب .. أمريكا.. وعروض الجمعة البيضا!

خط أحمر

في مطلع شهر نوفمبر من كل عام تمتلئ الشاشات والشوارع والطرقات وصفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية وكافة المولات بإعلانات عروض (الجمعة البيضاء)، فبين شعارات «اشترى قطعتين والثالثة مجانا "،" والتخفيضات التي قد تصل إلى 70%"،" ومتنساش تسأل على هديتك !!".. وغيرها من الجمل التسويقية والعروض والإغراءات التي تهدف جميعها إلى جذب الزبون، وتحقيق أعلى نسب مبيعات فى هذا اليوم، فما بين تلك العروض الكبيرة والتخفيضات الهائة لكافة المنتجات وبين غياب وعى المواطن يقع المستهلك فى فخ العروض الوهمية والخصومات الكاذبة ليجد أنه ضحية جشع بعض أصحاب المحلات وأنه نادراً ما يحصل المواطن على عرض جاد واستفادة حقيقية وسط الحرب الهائلة والمنافسة الشديدة بين أصحاب المحلات ، بالضبط كما يفعل الأمريكان معنا كعرب.

فعلى الرغم من أن الجميع يعرف تاريخياً أن موسم (البلاك فراى داى) هذا يعد أمريكى الأصل ، حيث تعود تسمية الجمعة السوداء إلى القرن التاسع عشر، وقد ارتبط ذلك مع الأزمة المالية عام 1869 فى الولايات المتحدة والذى شكل ضربة كبرى للإقتصاد الأمريكي، فكسدت البضائع وتوقفت حركات البيع والشراء مما تسبب في كارثة اقتصادية لأمريكا، تعافت منها عن طريق عدة إجراءات منها إجراء تخفيضات كبرى على السلع والمنتجات لبيعها بدلا من كسادها وتقليل الخسائر قدر المستطاع، ومنذ ذلك اليوم أصبح تقليداً فى أمريكا أن تقوم أكبر المتاجر والمحال والوكالات بإجراء تخفيضات كبرى على منتجاتها تصل إلى 90% من قيمتها لتعاود بعد ذلك إلى سعرها الطبيعى بعد انقضاء (الجمعة السوداء) على حد وصفهم.

وعلى مدار ما يزيد عن قرن ونصف من الزمان لم يستطع المجتمع العربي إدراك تلك اللعبة الإقتصادية والسياسية وتفهمها ، بلقام بتقليدها وتعريبها بالطريقة التى قد لا تناسب مجتمعاتنا وظروفها الإقتصادية والسياسية، وهنا تكمن المشكلة التي تتمثل في أن المجتمعات العربية دائما ماتقع على طول الخط فريسة سهلة للطمع والجشع والخداع من جانب الأمريكان الذين يستغلون تلك الشعارات التاريخية الوهمية للتخفيضات والعروض السياسية الواهية التي لا تهدف إلا لتحقيق مصالحها بالمنطقة.

فلا يوجد خلاف بيينا جميعا على أن المصالح الأمريكية داخل العالم العربي هي من الأهمية والمركزية التي لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها أو عدم التعامل معها، ولذلك فإن إقرار وتفهم هذه المصالح من الأهمية القصوى من قبل جميع الشرائح والقوى السياسية والاجتماعية، سواء من الحكومات العربية أو من الشعوب العربية على اختلاف توجهاتها وأطيافها، فإن التفهم والإقرار بأن للولايات المتحدة الأمريكية مصالح كبيرة في العالم العربي هي الخطوة الأولى والهامة من أجل الإنتقال من مرحلة فهم هذه المصالح والتعرف عليها إلى كيفية وإمكانية استخدامها بشكل يخدم مصالح الدول العربية في قضاياها المختلفة، وليس بالشكل الواهي كعروض (الجمعة البيضا) التي تم تصديرها لمجتمعاتنا العربية.

فالحديث عن المصلحة الأمريكية كان- ولا يزال- حجر الزاوية في كل حديث يرتبط بعلاقة أمريكا بالدول العربية،فالتاريخ يشهد بأن السياسة الأمريكية لا تعرف غير لغة المصالح والمكاسب، فلا مكان بين مبادئ وقيم الدولة الأمريكية لمبدأ يعارض مصالحها، أو قيمة لا تنسجم مع المزاج الأمريكي العام،فهي سياسة نفعية على طول الخط، وقد ظهر هذا النفس النفعي الأمريكي بشكل فج في الخطابات الأخيرة للرئيس الأمريكي "ترامب" في مناسبات عدة، والتي كانت المصلحة فحواها والنفعية مفادها والمصلحة مبدأ أصيل فيها وفي الفكر السياسي الأمريكي الذي تعبر عنه ، والذي تسيطر عليه الفلسفة الليبرالية البرجماتية بالدرجة الأولى، فبفضلها استطاعت أمريكا الحفاظ على كيانها ومصالحها في المنطقة العربية ، والمسألة البرجماتية برأيي مسألة متجذرة في الواقع الأمريكي، ولا سيما في الفكر السياسي حيث عمد منظرو الفكر النفعي أمثال جون دوي، ووليم جيمس، وهربت ماركوز.. وغيرهم إلى التسويق لهذه الفلسفة، وتقديمها على أنها أعلى منتج حضاري يمكن الوصول إليه، والتوصل من خلاله إلى إشباع كل رغبة، وأية رغبة يحلم بها العقل الأمريكي حتى ولو كانت على حساب الغير، فالنفعية الأمريكية قد اقتربت في العقود الثلاثة الماضية من منطق الغاب الهمجي الذي بات يقود العقلَ الأمريكي وجعله يقوم بارتكاب ما لا يتصور من الحماقات والتجاوز اتفي حالة تآمرية هدفها الرئيس الحفاظ على مصلحته بالمنطقة العربية بعروض وهمية شبه يومية تشبه عروض (الجمعة البيضا)، والتي يقع العرب بإرادتهم الساذجة في فخاخها في مثل هذا الشهر من كل عام.

الدكتور السيد الخطاري أمريكا عروض الجمعة البيضا خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة