المهندس السيد طوبا يكتب: العدل أساس الملك


كتب الشيخ على الطنطاوى فى كتابه قصص من التاريخ عن أروع المحاكمات على مرّ التاريخ على النحو التالى: نادىِ الحاجب : يا قتيبة (هكذا بلا لقب) فجاء قتيبة وجلس ، وهو قائد جيوش المسلمين فقال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي ؟ قال : اجتاحنا قتيبة بجيشه ، ولم يدعنا إلى الإسلام ، ولم يمهلنا حتى ننظر في أمرنا, فالتفت القاضي إلى قتيبة وقال : وما تقول في هذا يا قتيبة ؟ قال قتيبة : الحرب خدعة ، وهذا بلد عظيم ، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ، ولم يدخلوا الإسلام ، ولم يقبلوا بالجزية فقال القاضي : يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟ قال قتيبة : لا .. إنما باغتناهم كما ذكرت لك قال القاضي : أراك قد أقررت .. وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند ، من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء ، وأن تُترك الدكاكين والدور ، وأنْ لا يبقى في سمرقند أحد ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك, لم يصدّق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة ولم يشعروا إلا والقاضي والحاجب وقتيبة ينصرفون أمامهم بعد ساعات قليلة .. سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو ، وأصوات ترتفع ، وغبار يعمّ الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار ، فسألوا .. فقيل لهم : إنَّ الحكم قد نُفِذَ ، وأنَّ الجيش قد انسحب ، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم .. إلا وقد خلت طرقات سمرقند ، وصوت بكاءٍ يُسمع في البيوت على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم ، حتى خرجوا أفواجاً ، وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددو شهادة أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله.. أتدرون من هو القاضي ؟ إنه عمر بن عبد العزيز.. خامس الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وأرضاه.
هكذا كانت تعلو وتسمو الأمم بفرض العدل وسيادة القانون على الكبير قبل الصغير وعلى القائد قبل الجنود وتحسرت على حالنا عند قراءتى لتلك المحاكمة الرائعة وحزنت لما وصلنا اليه من تأخير التقاضى واستغراقة سنوات طوال لاصدار كلمة الحق خاصة فى قضايا الميراث واغتصاب الأراضى وعلى بطء اجراءات التقاضى وما يصاحبه من إعلان المتهمين على غير محل اقامتهم واصدار أحكام دون علم أو اخطار أصحابها انما بفاجأون بها عند سفرهم وهو ما اضطر الناس الى اللجوء لقانون الغاب وأخذ ما يعتبروه حقهم عنوة حتى لا يقعوا تحت اجراءات التقاضى المطولة أما إذا كانوا ضعفاء فيرضون بأى ترضية حتى ولو كانت أقل من حقوقهم توفيرا لمشقة وطول التقاضى وأتعاب المحامين أو التسليم بالأمر الواقع وينسى المسؤولون دائما أن العدل أساس الحكم فلم نسمع حتى تاريخه عن تنقيح القوانين المتضاربة والتعجيل بإجراءات التقاضى أو زيادة أعداد القضاه وتوفير مناخ أفضل ومحاكم حديثة وميكنة للأحكام وغيرها مما تسهل من اصدار الأحكام سريعا وإذا كان التحجج بعدم كفاية الميزانية المعتمدة لذلك فماذا لو تم تأجيل واحدة من المدن الجديدة وتخصيص ميزانيتها لدعم العدل والقضاء وزيادة رسوم التقاضى وتوجيه العائد إلى اصلاح حال المحاكم المزرية وانشاء قاعدة بيانات بالأحكام والقوانين المعدلة والمحدثة ودعم رواتب العاملين بالمحاكم من وظائف إدارية مساعدة والتى يعلوها الفساد وتتسبب فى تأخير وضياع حقوق الناس وربما أكون مخطئا فى تصورى ولكنه اجتهاد أتمنى أن يكون صائبا.