صابر سكر يكتب: التقارير الطبية بين الحقيقة والتلاعب: وسيلة إثبات أم أداة للابتزاز؟


التقارير الطبية تُعتبر أحد أهم الأدلة التي يُعتد بها في القضايا الجنائية والمدنية، خاصة تلك المتعلقة بالإيذاء البدني. فهي الوثيقة التي تُثبت وقوع الاعتداء وتحدد طبيعة الإصابة ومدى خطورتها، مما يجعلها عنصرًا جوهريًا في تحقيق العدالة. إلا أن هذه الأهمية لم تمنع البعض من إساءة استخدامها، فتحولت في بعض الحالات إلى أداة للمساومة أو وسيلة للانتقام.
حقيقة أم ادعاء؟
في كثير من القضايا، يكون التقرير الطبي هو الدليل القاطع على وقوع اعتداء جسدي حقيقي. ولكن في المقابل، هناك حالات يتم فيها اصطناع إصابات أو المبالغة في توصيفها لغايات مختلفة، مثل تلفيق التهم أو إجبار الطرف الآخر على التنازل عن حقوقه. وهنا تبرز إشكالية كيفية التحقق من صحة هذه التقارير ومدى دقتها.
دور التحقيقات الأولية
عند تحرير محضر جمع الاستدلالات في أقسام الشرطة، يكون للمحقق دور حاسم في التأكد من مصداقية الادعاء. فمن الضروري أن تُطرح الأسئلة بمهارة واحترافية، بحيث تُدوَّن إفادة الشاكي كما هي، دون إعادة صياغتها أو ترتيب الأحداث بطريقة تؤثر على سير التحقيق. كما أن معاينة الإصابة من قبل رجال الشرطة، وفق الضوابط القانونية، قد تُسهم في كشف محاولات التلاعب، إذ قد يلجأ بعض الشاكين إلى إحداث إصابات لاحقة بأنفسهم بعد تحرير المحضر، لإضفاء مزيد من المصداقية على ادعاءاتهم.
مسؤولية الأطباء
لا يقل دور الأطباء أهمية عن دور رجال التحقيق، فهم المسؤولون عن توثيق الإصابات وتوصيفها طبيًا. يجب أن يكون الفحص الطبي دقيقًا، بحيث يتم تحديد نوع الإصابة (طعنية، قطعية، كدمات، سحجات) وطبيعة شكلها (طولية، عرضية، متوازية)، فهذه التفاصيل قد تكشف ما إذا كانت الإصابة حقيقية أم مفتعلة. كما أن الخبرة الطبية تلعب دورًا أساسيًا في التفرقة بين الإصابات الطبيعية الناتجة عن الاعتداء الفعلي، وتلك التي قد يكون الشخص قد أحدثها بنفسه أو بمساعدة آخرين.
نحو منظومة قانونية أكثر دقة
لضمان تحقيق العدالة، لا بد من تطوير آليات الرقابة على التقارير الطبية، وسنّ قوانين أكثر صرامة تُجرّم التلاعب بها. فالاستخدام غير القانوني لهذه التقارير لا يضر بالأفراد فقط، بل يُهدد منظومة العدالة ككل، ويُضعف الثقة في الأدلة الطبية. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تعزيز معايير الجودة والشفافية، سواء في عمل جهات التحقيق أو في ممارسات الأطباء الشرعيين.
إن تحقيق العدالة لا يكون فقط بمعاقبة المعتدين، بل أيضًا بضمان عدم استغلال القانون لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الحقيقة. فالتلاعب بالتقارير الطبية ليس مجرد تحايل، بل هو تهديد مباشر لمصداقية النظام القانوني بأكمله.