الدكتور علي عبدالرحمن يكتب: هلوسة ترامب.. والحلم العربي!
خط أحمرمنذ أكثر من عام، ومع انطلاق "طوفان الأقصى"، وكعادتي الدائمة، أتنقل بين القنوات الإخبارية المحلية والإقليمية والدولية، أتابع كلًّا منها وفقًا لزاوية الطرح التي تتبناها جهاتها المختلفة وبالرغم من تباين التوجهات، فإنني أجد نفسي دائمًا متابعًا لقناة الجزيرة، لما تمتاز به من مهنية وما يتمتع به مراسلوها من شجاعة غالبًا ما يغالبني النعاس أثناء المشاهدة، فأترك البث مستمرًا حتى يغلبني النوم.
في ليلة قريبة، انقطعت الكهرباء ومعها المياه، بينما كنت قد تركت شاشة البث تعمل وصنبور المياه مفتوحًا، ليتسنى لي معرفة عودة التيار عند تدفق الماء مجددًا وفي ذلك الظلام الدامس، أخذت أفكر في تعقيدات المشهد الإقليمي، في هذه البلطجة الصهيونية، والانبطاح الأمريكي، والصمت العربي والإسلامي، وفي ضعف المؤسسات الأممية، وفي أسر الغرب خلف نتنياهو، ثم بايدن الضعيف المتلون، وترامب المتغطرس وفي غمرة أفكاري، غفوت، لأجد نفسي في حلم رأيت فيه أمين عام جامعة الدول العربية يجري اتصالًا بنظيره في منظمة التعاون الإسلامي، يناقشان الأوضاع المتأزمة في العالمين العربي والإسلامي كانا يبحثان الدعوة إلى قمة طارئة لقادة الدول، لكن كالمعتاد، اختلفا حول مكان انعقادها، قبل أن يتفقا، احترامًا لخطورة الوضع، على أن تتنقل الاجتماعات بين القاهرة، مقر الجامعة العربية، وجدة، مقر منظمة التعاون الإسلامي.
استمر الحلم سريعًا، لأجد نفسي أمام مشهد لقادة الدول العربية والإسلامية وقد اجتمعوا في القاعة الكبرى للجامعة العربية جلس على المنصة الأمينان العامان للجامعة والمنظمة، إلى جانب رئيسي الدولتين اللتين تتوليان رئاسة الدورتين الحاليتين تململت فرحًا وأنا في غفلتي، منتظرًا كلمات الافتتاح، تحدث الأول، مؤكدًا مسؤولية القادة أمام شعوبهم، مشيرًا إلى سنوات ضبط النفس التي امتدت ليس لعام واحد فحسب، بل طيلة 75 عامًا من الاحتلال والتغول، في مقابل صلف حكومة نتنياهو ووقاحة سياساته، وهلوسات ترامب وغطرسته، سرد مشاهد القتل والدمار، من فلسطين إلى لبنان، ومن العراق وسوريا إلى اليمن وإيران.
جاء دور الرئيس الثاني، فاستكمل الحديث مؤكدًا أن الغرب منافق، منحاز، منبطح، وأن المؤسسات الأممية عاجزة، بل ومهددة ومعاقَبة من قبل حكومة الاحتلال وداعميها ثم تحدث أحد الأمناء قائلًا: لقد وُصف صمت القادة بالحكمة، لكنه فُسر لدى الآخرين بالعجز والتخاذل، وأحيانًا بالتواطؤ، واتضح أن الولايات المتحدة تمارس الكذب على الجميع، وتشارك في القتل جنبًا إلى جنب مع الاحتلال، تسليحًا وتخطيطًا ودعمًا لوجستيًا.
أضاف الأمين العام الثاني: قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، دمروا المساجد والكنائس، استهدفوا المدارس والمستشفيات والمخيمات، ثم تبجحوا أمام كل صوت منصف ومعترض.
وبدأ القادة إلقاء كلماتهم، فوقف أحدهم قائلًا: لقد أصبحنا أضحوكة أمام العالم وأمام شعوبنا، وكفانا صمتًا! ثم عقّب آخر: نحن أكبر مشترٍ لأسلحة الغرب، نكدّسها حتى تتلف دون أن نستخدمها، ونحن أيضًا من يموّل اقتصاداتهم بودائعنا الهائلة في بنوكهم.
تحدث القائد الثالث قائلًا: لقد سعينا كثيرًا للوساطة، ولكن دون جدوى، فنتنياهو كاذب متوحش، لا يسعى إلى السلام، بل يريد إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقًا لأهوائه، وأضاف القائد الرابع: هؤلاء لا عهد لهم ولا كلمة، يعيثون اغتيالًا وتدميرًا أينما شاءوا.
أما القائد الخامس، فقال: لقد دنّسوا الأقصى وأهانوا حرمته واستكمل القائد السادس: لم تعد الولايات المتحدة وسيطًا ولا راعيًا للسلام، بل أصبحت محرضة وهمجية، فكيف يمكن أن تكون كبيرة أو محايدة وهي تدعو إلى التهجير القسري لشعبٍ من أرضه؟
ثم أُعطيت الكلمة للقائد السابع، فقال: خرجت شعوب العالم أجمع منددة بالمجازر، ومع ذلك لا يوجد أي تحرك حقيقي. وهنا انتفض القائد الثامن قائلًا: كفانا ازدواجية في المعايير! ما يُسمى إرهابًا عندنا يُسمى "حقًّا" عندهم، فكيف يكون لليهود حق الدفاع عن النفس، وهم من يعيثون فسادًا في المنطقة بأكملها؟ ثم تأتي أمريكا لتقول إن هناك "فرصًا يجب استغلالها"! أي فرص هذه، أيها العجوز الخَرِف؟
وحين جاء دور القائد التاسع، قال: نحن نخشى حساب الله على صمتنا، ونخشى حساب التاريخ على خذلاننا لإخوتنا، ونخشى حساب الشعوب على ضعفنا وسكوتنا المعيب.
وفي ختام الكلمات، وقف أحد القادة مؤكدًا: كفانا مشاورات لا تُجدي، وكفانا شجبًا وإدانة ووساطات عقيمة وصمتًا خانعًا، بينما يواصل العدو عربدته واعتداءاته على أصحاب الأرض الأصليين وإن لم نتحرك الآن، فسيأتي الدور علينا جميعًا، تحت ستار الأكذوبة الكبرى التي تروج لها إسرائيل، كما فعلت من قبل مع أكذوبة "معاداة السامية"، وأكذوبة "الجيش الأخلاقي"، وأكذوبة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وأكذوبة "أمريكا العادلة" التي ليست سوى محرضٍ شريكٍ في الجرائم، كفى، كفى، كفى!
ثم اتفق القادة على إصدار البيان الختامي للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، مع استمرار انعقاد الاجتماعات تباعًا، بدءًا من وزراء الخارجية، مرورًا بوزراء الدفاع، ثم رؤساء الأركان، وأخيرًا مسؤولي الإفتاء، على أن تُعقد الاجتماعات بالتناوب بين القاهرة وجدة.
وجاء البيان الختامي لقادة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي كالتالي..
- رفض أي تطبيع مع العدو وإيقاف مخططاته التوسعية في منطقتنا.
- إعادة توجيه التعاون العسكري نحو الشرق، بالتحالف مع الصين وروسيا والتعاون مع كوريا الشمالية في مجال التسليح.
- إنشاء جناح دفاعي لمجموعة "بريكس" لمواجهة حلف الناتو.
- إطلاق صندوق عربي وإسلامي لجمع التبرعات الرسمية والشعبية لدعم الأشقاء في فلسطين ولبنان.
- إدراج تاريخ العداء للكيان الصهيوني وداعميه ضمن المناهج الدراسية، لضمان تربية أجيال تستمر في الدفاع عن قضايا الأمة.
- إطلاق قمر صناعي عربي إسلامي، يخصص لبث قنوات متعددة اللغات، بهدف إيصال صوت الأمة إلى العالم بأسره.
وبينما كنت غارقًا في سباتي، منتشيًا بأحلامي، مستبشرًا بأنني عشتُ حتى أرى وأسمع ما رأيت وسمعت، إذ بالتيار الكهربائي المنقطع يعود فجأة، ليرتفع صوت شاشة التلفاز المثبّتة على قناة الجزيرة بأصوات الغارات، وانهيار المساكن فوق ساكنيها، وصراخ البشر تحت وطأة القصف والتدمير وفي اللحظة ذاتها، عاد تدفق المياه المنقطعة من الصنبور المفتوح، فانهمرت بقوة، مُحدِثةً ضجيجًا مدويًا.
استيقظتُ مذعورًا، مضطربًا بين ما رأيت في منامي وما أيقظني في واقعي، ثم حمدتُ الله أن أحدًا لم يرَ حلمي، ولم يسمع كلمات القادة في رؤياي، ولم يعلم أحدٌ شيئًا عن ذلك البيان الختامي، استعذت بالله من وساوس هذا الحلم، وقررتُ أن أسهر حتى الفجر، خشية أن تستمر الاجتماعات التي تحدّثوا عنها في منامي، ذلك الحلم الذي جاءني دون أن أسعَى إليه، ودون أن يكون لي فيه رغبة أو تدبير.
وقلت في نفسي: سأكتب هذه الكلمات، حتى لا يُتهمني أحدٌ بحلمٍ عربيّ غير واقعي وأشهدكم جميعًا أنها ليست سوى أضغاث أحلام لرجلٍ أرهقه التّنقل بين القنوات الإخبارية، فانقطع عنه التيار والماء فجأة، وغلبه النوم، فرأى ما رأى، بلا سعيٍ منه ولا تفكيرٍ سابق ولا أمنياتٍ تُخامر خاطره.
أنا مصري، عربي، مسلم، مسالم، كغيري من أبناء العروبة والإسلام.. لكننا لا نصمت أبدًا على دعاوى الطرد الوحشي والتهجير القسري لأصحاب الأرض، لصالح محتلٍّ غاشم فالأرض المباركة ستُنبت دائمًا مقاومين كُثُر، ولن يتوقف إنباتها حتى قيام الساعة، ومن قريبٍ أيضًا.. قيام دولة فلسطين العربية.
والسلام.