الدكتور أحمد عبود يكتب: السيسي.. صانع السلام في زمن العجز الدولي
خط أحمرفي لحظة فارقة من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نجح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تحقيق إنجاز دبلوماسي غير مسبوق تمثل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، متفوقًا بذلك على العديد من قادة العالم الذين سعوا لإيجاد مخرج للأزمة دون تحقيق نتائج ملموسة. هذه الوساطة المصرية التي امتدت لأكثر من عام لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت تتويجًا لجهود مضنية اعتمدت على خبرة القاهرة الطويلة في التوسط بين الأطراف المتصارعة، ودورها المحوري في تحقيق الاستقرار بالمنطقة.
الوساطة المصرية: خبرة تاريخية ومصداقية دولية
لطالما لعبت مصر دور الوسيط الأساسي في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، مستندة إلى علاقاتها الوثيقة بجميع الأطراف، فضلًا عن موقعها الجغرافي الذي يجعلها الأقرب لفهم تعقيدات الأزمة. منذ بداية التصعيد الأخير، لم تتوقف الاتصالات المصرية مع الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، فضلًا عن التواصل المستمر مع القوى الدولية الفاعلة، مثل الولايات المتحدة وقطر والأمم المتحدة. وقد أثبتت هذه الجهود فعاليتها عندما أعلنت القاهرة عن التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار، في وقت فشلت فيه العديد من المبادرات الأخرى.
تفوق السيسي على القادة الدوليين
رغم محاولات قادة العالم التدخل لوقف النزاع، إلا أن الدبلوماسية المصرية تفوقت بفضل عدة عوامل رئيسية، أبرزها الحياد النسبي الذي تحظى به القاهرة في هذا الملف، مقارنة بقوى أخرى ذات مصالح مباشرة في الصراع. فبينما بدت الولايات المتحدة منحازة لإسرائيل، وواجهت قطر تحديات تتعلق بقبول إسرائيل لدورها، تمكنت مصر من الحفاظ على خط متوازن، جعلها الطرف الأكثر قبولًا من الجميع.
كما أن تجربة مصر الطويلة في التفاوض منحتها ميزة نسبية على بقية الوسطاء الدوليين، فالقاهرة لم تكن فقط وسيطًا في الأزمة الأخيرة، بل لعبت أدوارًا مشابهة في اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة، مما جعلها تكتسب مصداقية حقيقية لدى الأطراف المختلفة.
أهمية الهدنة واستحقاقاتها
وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية ليس مجرد اتفاق مؤقت، بل خطوة نحو حل شامل، خاصة مع تعهد القاهرة بمتابعة تنفيذ الاتفاق وضمان عدم انهياره كما حدث في مرات سابقة. وفي هذا السياق، أكد الرئيس السيسي على ضرورة الإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهو ما بدأت مصر بالفعل في تنفيذه عبر معبر رفح، مما يعكس التزامها الإنساني إلى جانب جهودها السياسية.
التعاون المصري-الأمريكي في إنجاح الاتفاق
كان للاتصالات المصرية-الأمريكية دور محوري في الوصول إلى هذا الاتفاق، حيث أجرى السيسي محادثات مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، تم خلالها بحث كيفية تثبيت وقف إطلاق النار وضمان استمرار التهدئة. هذا التعاون أظهر مدى التأثير الذي تمارسه مصر على الساحة الدولية، خاصة في القضايا المرتبطة بالشرق الأوسط.
مصر واستمرار الدور الريادي
لا تقتصر جهود القاهرة على تحقيق الهدنة فقط، بل تسعى مصر إلى استغلال هذا الإنجاز للدفع نحو حل سياسي طويل الأمد، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وفقًا لقرارات الشرعية الدولية. وقد أكد السيسي في أكثر من مناسبة أن الحل النهائي يجب أن يكون قائمًا على رؤية حل الدولتين، بما يضمن تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
خاتمة
بهذا الإنجاز الجديد، تثبت مصر مجددًا أنها الفاعل الأكثر تأثيرًا في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتؤكد أن دورها لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية. تفوق الرئيس السيسي في إدارة هذا الملف لم يكن مجرد نجاح عابر، بل هو دليل على المكانة التي تحتلها القاهرة كصانع للسلام، وسط عالم يزداد اضطرابًا، وقادة يسعون للتهدئة دون امتلاك أدوات النجاح.