محمد عبد اللطيف يكتب: الفئران المترهلة في الإسكان التعاوني
خط أحمرسنوات طويلة مرت علي مشاغباتي، ضد الفساد الذي كان ينخر كالسوس في عظام أحد أهم القطاعات، التي يرتكز عليها بنيان الاقتصاد الوطني، و الذي يتمتع بحماية خاصة في كافة الدساتير التي تعاقبت علي الدولة منذ ستينيات القرن الماضي . عن قطاع الاسكان التعاوني أتحدث.
فقد كنت أظن، وبالطبع ليس كل الظن إثم، أن السهام التي أطلقتها، و أطاحت بشبكات التربح ومافيا الصفقات المشبوهة، بل وأودت بالفاسدين الي المحاكم والسجون، كانت كفيلة بترسيخ قواعد النزاهة والشفافية، لحماية أموال الملايين من أعضاء الجمعيات الإسكانية، والتي بلغت ما يزيد عن 2100 جمعية، وكنت أعتقد ان ما كان يجري من وقائع في هذا القطاع ، أصبح ، علي الأقل بالنسبة لي، مجرد ذكريات عابرة، باعتبار أن المصير الذي تعرض له عدد من مجالس الإدارات السابقة، سيكون عظة و عبرة لمن يأتي بعدهم، لكن يبدو أن ظنوني لم تكن في محلها، فقد بلغ الفساد درجة تفوق الوصف، وأربابه يمارسون كل أنواع الرزائل ليل نهار ، بلا خجل أو حياء، فبرغم الذعر الذي يملأ قلوب بعضهم، بالطبع ليس كل المجلس ، و يلمسه كل من يقترب منهم،الا انهم يتبجحون علناً، لاثبات أنهم حماة هذا القطاع ، و أن ذمتهم أنقي وأصفي من لبن الحليب، لكن في حقيقة الأمر، منهم من يتمسك بموقعه ، لجني عشرات الملايين واخفاء أدلة إدانته، وأيضاً خشية الملاحقة، هؤلاء توحشوا وامتلأت كروشهم حتي ترهلوا، بالضبط صاروا مثل القطط السُمان ، أو الفئران المترهلة، لا يريدون الاختفاء ، و لا تقوي أجسادهم علي الهرب .
عبر عقود طويلة ظل الفاسدون يمرحون و يعبثون، و يبتكرون أساليب التربح، عبر سماسرة "زيتهم في دقيقهم "، احترفوا جمع مئات الملايين بالفهلوة، علي طريقة " شيلني و أشيلك"، ولأن الأمور تسير في هذا القطاع من سئ الي أسوأ، تناثرت مؤخرًا الحكايات من جديد، وتواصل معي بعضهم بعد طول نسيان، و رحت أتلقف قصص وحكايات الأبطال الجدد ، ولا أنكر أن ما حصلت عليه من معلومات، دفعني للكتابة مرة أخري عن هذا القطاع بعد توقف دام طويلاً .
إليكم التفاصيل ... قبل أيام قليلة، دبر أعضاء من مجلس إدارة الاتحاد التعاوني، انقلاباً ضد وزير الإسكان الجديد المهندس شريف الشربيني ، علي غرار انقلابات جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية، جري الاتفاق علي تنفيذ خطة الانقلاب في أحد المطاعم الشهيرة، و تحديداً علي مائدة تراصت عليها أطباق فاخرة ، تحوي ما لذ وطاب من أغلي وأشهي الأكلات ... حدث هذا بعد ساعات قليلة من آداء الوزير الجديد اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية ، وقبل أن يتوجه إلى مقر الوزارة أو يجلس علي كرسيه، حيث تم الاتفاق علي اغتصاب سلطات الوزير جهاراً نهاراً ، وذلك علي خلفية تعيين المهندس عبدالمطلب عمارة رئيس الاتحاد، محافظاً للأقصر ، فقاموا بعقد جلسة طارئة لانتخاب رئيس الاتحاد من بينهم بعد خلو مقعد رئيس الاتحاد ، وبالفعل انتخبوا المهندس محمد الفار ، وذلك من دون إخطار لأجهزة الدولة ومؤسساتها الرقابية، ومن دون استشارة الأعضاء المعينين بقرار وزاري ، بهدف وضع الجميع أمام أمر واقع، أو كما يقول المثل الشعبي الدارج " حاولوا ذبح القطة للوزير الجديد".
ولكن علي الجانب الآخر من الأحداث، كان أول ملف يوضع أمام الوزير ، هو المتعلق بالاتحاد الاسكاني التعاوني، متضمناً مخالفات وتقارير رقابية، و علي الفور اتخذ قراراً بحل المجلس، وتعيين مجلس مؤقت لإدارة شؤون الاتحاد ، وبعدها بساعات معدودة توجه المجلس الجديد لاستلام المقر ومباشرة أعماله ، فوجد المنقلبون أنفسهم في حيص بيص، بعد أن فشلوا في الاستحواز علي الاوراق الموجودة في مكاتبهم، وعلي خلفية ذلك ، عقدوا اجتماعات متفرقة ، وراحوا يبحثون كيفية عودتهم لكن دون جدوى .
وفي سياق مقالنا، نشير إلي، بل نؤكد علي، أن ما لدينا من معلومات متعلقة بكواليس الأزمة، تشير الي حقيقةالموقف الصعب، الذي يتعرض له المجلس المنحل ، حيث لا توجد أي اتصالات مع الوزير ، أو مكتبه، أو الجهات الرقابية، وباءت كل محاولاتهم للخروج من الأزمة بالفشل، وبحسب المعلومات المتناثرة داخل أروقة الاتحاد، فإنهم لجأوا أخيراً للمستشار أشرف عبد الحليم، الخبير في قانون الاسكان التعاون، للبحث في كيفية خوض معركة قانونية ضد الوزير ، لتمكينهم من العودة، الا أنه، كشف لهم ما لم يكن في حسبانهم، حيث أكد لهم، أنهم لن يتمكنوا من العودة مرة أخري، وعليهم تهيئة أنفسهم لما هو آت، الأمر الذي أحدث قدراً هائلاً من التأويلات في أروقة الاتحاد، وذلك لوجود تقارير رقابية ستقلب الدنيا رأساً علي عقب، منوهاً لهم، أن الأمر يتجاوز الدخول في معارك قانونية، لأن حجم المخالفات كارثي، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر ،صرف مگافاة مليون جنيه لكل عضو مجلس إدارة كل ست أشهر من أموال الاتحاد وهي بالأساس أموال جمعيات ، أي أن كل عضو يحصل على مليوني جنيه سنوياً ، وهذا هو المعروف ، بخلاف أمور أخري تجري في الخفاء بين سماسرة واستشاريين ومقاولين، وخبراء مزادات، ومجالس إدارات جمعيات، وأمور أخري لا حصر لها، منها عدم تصعيد سمير مدني المدير السابق بالاتحاد لعضوية مجلس الإدارة، المنتخب من إحدي الجمعيات، رغم أحقيته القانونية، بعد زوال العضوية عن آخر بسبب وقائع هي محل تحقيق.
كله كوم، وما يتم تداوله من وقائع، لن نبوح بها، كوم تاني، لذا فإننا لا نعلم ما الذي سيحدث في الأيام القليلة القادمة.. وبالمناسبة، الاتحاد التعاوني ، هو سلطة رقابة شعبية، مهمته الرقابة علي الجمعيات ، ومجلس إدارته يتم انتخابهم من الجمعيات الاتحادية علي مستوي المحافظات، بالإضافة إلي المعينين بقرار وزاري حسب القانون، لكن بقدرة قادر، أصبح هذا العمل التطوعي، أي بدون مقابل، الي سبوبة كبيرة عبر عدة عقود ومجالس إدارات متعاقبة ... لكي الله يا مصر .