المهندس السيد طوبا يكتب.. الحكومة والوطن


قرأت مقالا هامة للكاتب البريطانى روبرت فيسك وددت نقله كما هو دون إضافة أو تحريف و"فيسك" أحد أشهر الصحفيين في العالم وأحد الذين يعرفوننا جيِّداً وعاش في بلادنا ثلاثين عاماً وما زال يسكن في بيروت هو مراسل الأندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط , يقول روبرت فيسك : أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النَّظافة، بينما شوارعهم على النَّقيض من ذلك؟ السببُ أنَّ العرب يشعرون أنَّهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون أنَّهم يملكون أوطانهم وهذا يرجع إلى سببين الأوَّل: أنَّنا نخلطُ بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، فنعتبرهما واحداً، وهذه مصيبة بحدِّ ذاتها.. الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد .. بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمَّ عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد.
لهذا من حقِّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن.. والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هو أن نعتقد أنَّنا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن.. وكأنَّ الوطن للحكومة وليس لنا.. ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا وأنتَ، وبالجامعة التي يتعلم فيها إبني وإبنكَ، وبالمستشفى التي تتعالج فيها زوجتي وزوجتكَ، الأشياء ليست مِلك مَن يديرها وإنَّما مِلك مَن يستخدمها نحن في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً.
والسبب الثَّاني: أنَّ ثقافة الملكيَّة العامًّة معدومة عندنا، حتى لنبدو أنَّنا نعاني إنفصاماً ما .. فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسِّخ المرحاض العام.. والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر إسمه على مقعد المدرسة والجامعة .. والأبُّ الذي يريد من إبنه أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بإنتظار دوره.. والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت ابنتها محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من الدوام خلاصة القول : الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أَم أبَينا.
ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلُّها تخريب الوطن .. إنَّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّ حكومته سيئة لا يستحقُّ حكومة أفضل ورُقيِّنا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة بعد جلوسنا فيها ولو تأمَّلنا حالنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنَّه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن وصدق القائل: الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة.
انتهى مقال الكاتب البريطانى وصدق فى كل كلمة كتبها فنحن نعانى فى مصر من ذلك المرض الخطير فانظر إلى الحدائق العامة أو الشواطئ بعد استخدام الناس لها وأنظر إلى جميع أنواع السيارات تلقى بمهملاتها فى عرض الطريق وراقب استخدامنا للمواصلات العامة والقطارات وكيف نخربها وأنظر إلى سرقة أراضى الدولة وإقامة التعديات عليها وسوف تدرك يقينا أننا ننتقم من حكوماتنا فى صورة تدمير الوطن.