المهندس السيد طوبا يكتب.. المواطن المستقر


عندما تتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد ويظهر فيها ما يمكن أن نسميه "المواطن المستقر" مقولة شهيرة للمفكر الفرنسى دولابواسييه وأفاد في كتابه العبودية الاختيارية أن المواطن المستقر تنحصر اهتماماته فى ثلاثة أشياء هى الدين ولقمة العيش وكرة القدم فيصبح تعلقه بالدين شكلى لأداء المناسك والشكليات فقط دون تطبيق حى لجوهر الدين ثم يصب جل اهتماماته بتأمين لقمة العيش له ولأسرته غير عابئ بحقوقه السياسية.
أما كرة القدم فيجد فيها تعويضا عما حرم منه فى حياته الطبيعية كما يجد فيها نوعا من القواعد العادلة التى تطبق على الجميع دون تحيز ويعتبر المفكر الفرنسى أن المواطن المستقر هو أكبر عقبات التنمية لخموله الشديد وعدم طموحه وسعيه للتطوير والتجديد وعندما كانت العبودية شائعة في أمريكا كونت امرأة سوداء تدعى هاربت توبمان عام 1849 مجموعة سرية لتحرير العبيد تمكنت من اعتاق ما يزيد عن السبعمائة عبد وعندما سئلت عن أهم المعوقات التى قابلتها أطرقت برأسها وأجابت بأن أكبر صعوبة وجدتها فى اقناع العبد بأنه ليس عبدا.
وذهب علماء الاجتماع لتحليل سلوكيات من أفرج عنهم بعد سجنهم لفترات طويلة أو وقوعهم أسرى فى يد أعدائهم لمدد طويلة إلى تحول سلوكيات المفرج عنهم بحيث يحنون لحياة السجن والأسر بل وأعرب بعضهم عن حبه لحارسه أو من أسره وربما هذا ما يبرر تصرفات شعوب بعض الدول التى تمكن منها الاحتلال لعقود طويلة فتجد حنينا من أهل شمال غرب أفريقيا للاستعمار الفرنسى بل والتهافت للسفر والهجرة إليه وحنين بعض أجدادنا للاحتلال البريطانى والذى يتحدثون عنه بعزة وفخر ويتندرون على أيامه وبعضهم يتوق شوقا للدولة العثمانية وأيام البشوات والقصر.
لذلك تجد أن التنمية فى تلك الدول تسير الهوينا حتى سمعنا من يؤمن بأن شعبا ما لا ينفع معه إلا السوط والجلد والسخرة ونحتاج جميعا إلى تنقية أفكارنا وتجديدها وغرس الطموح والنجاح فى عقولنا وأفكار شبابنا والتأكيد على سيادة القانون الذى يقف الجميع أمامه سواء فقد انتهى عصر المعتقلات والتعذيب والأسر إلى غير رجعة وأن تبقى منها شيىء ففي أحلامنا فقط اكسروا القيود وكونوا إيجابيين وليس مستقرين.