قد يتساءل البعض لماذا تدهور الذوق العام فى مصر وانحدر انحدارا شديدا وقد يرجع البعض السبب إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى مرت بها بلادنا طوال الستة عقود الماضية والقوانين الاشتراكية إبان ثورة 52 التى أسهمت فى هروب أصحاب المهارات من المهنيين والحرفيين الإكفاء إلى الخارج خاصة بعد تطبيق قوانين تحديد الإيجارات فأسهم فى إنتاج مبانى سكنية وإدارية رخيصة التكاليف عديمة الذوق سيئة التشطيب.

وسياسيا ظهرت طبقة السلطة المطلقة وتكونت حولها حلقات المنتفعين والمنافقين ومع بزوغ نجم الاتحاد الاشتراكى ونفوذ سلطة أعضائه لتقربهم من السلطة جاءوا بموروثاتهم الثقافية المنحدرة وفرضوا أساليبهم على الحياة العامة وعلى المستوى الاجتماعى نمت طبقات طفيلية من أغنياء الحرب والمهربين وتجار الممنوعات والمقربين من السلطة آنذاك طفوا على سطح المجتمع بأذواقهم الرديئة واعتقدوا أنهم بنقودهم يشترون الذمم والضمائر والبشر ومنها ظهرت طبقة منتجى الأفلام السينمائية وأنتجوا أفلاما سينمائية رديئة المستوى فنيا وخلقيا وتميزت بالسطحية والعرى والإيحاءات البذيئة والألفاظ النابية.

وامتدت تلك الثقافة المتدهورة حتى الآن خاصة بعد ظهور التليفزيون ودخوله كافة المنازل وإحجام الدولة عن إنتاج المسلسلات الهادفة وتركها للقطاع الخاص صاحب مبدأ الجمهور عاوز كدة فأنتج مسلسلات تافهة وقصص غير واقعية تمجد البلطجة والرقص والمخدرات فأثرت تأثيرا بالغا على ثقافة وذوق المجتمع وبدأ تداول الالفاظ النابية كموروث ثقافى بين الأجيال خاصة الشباب منهم فإذا أضفنا عدم إحكام الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت مسرحا للسباب والشتائم والخوض فى الأعراض دون قيد أو شرط وأصبح استضافة نجوم الفن والرياضة هو حديث الناس وكلامهم حكم وأفعالهم قدوة للمجتمع وانتشرت الأصوات الرديئة والكلمات الهابطة.

ويحضرنى هنا ما قرأت عن إنتاج فيلم آخر كدبة بطولة فريد الأطرش وسامية جمال عام 1950 وأغنية (يا عوازل فلفلوا) أن منعت الإذاعة المصرية بثها لأجل كلمة (فلفلوا) وعندما تقابل النحاس باشا رئيس الوزراء فى ذلك الوقت مع فريد الأطرش أن وبخه على تلك الأغنية مذكرا إياه بواجب الفنان فى إعلاء الذوق العام والحفاظ عليه.. تلك أيام الجاهلية والتخلف ونحمد الله أن انتقلوا جميعا إلى الرفيق الأعلى قبل سماعهم كلمات أغانى هذه الأيام ووصلات السباب على التليفزيون وأفلام العرى والمخدرات وبالتأكيد فإن الطريق طويل ويحتاج كافة الجهود من المدرسة والبيت والإعلام والفنانين والرياضيين والكتاب والساسة وليس ذلك ببعيد.