الحسيني الكارم يكتب.. الفساد والإهمال وجهان لعملة واحدة


تعتبر ظاهرة الفساد الإداري والمالي والمجتمعي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر وفق العادات والتقاليد والعوامل النفسية والتربية والبيئة المحيطة بالفرد إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة وعلم النفس والاجتماع، وعلم الجريمة كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو حتى على مستوى الأسرة منها.
وهنا أردت أن أسلط الضوء على مفهوم الفساد، مظاهره، أسبابه والآثار والانعكاسات المؤثرة ثم نعرج على تجربة المجتمع والأسرة في الفساد محاولين تسليط الضوء على خصائص وأبعاد هذه التجربة والآثار السلبية الناتجة عنها للحد من تأثير هذه الظاهرة على المجتمعات البشرية.
الفساد والإهمال، يختلفان من حيث النية، ويتفقان من حيث النتائج، فكلاهما قاتل، يدمر أجيال لا حصر لها، خاصة وإن كان القائم عليه والمتسبب فيه قدوة، ومثل أعلى، ولكن هناك من يتربصون بفسادهم لأولادنا ولأجيالنا لإلغاء القدوة و الأعمال والسلوك الحسنة.
يبدأ تقويم النشئ منذ الصغر في المدرسة والبيت معًا، لا يتجزأن فدور المعلم لا يقل عن دور الوالدين والعكس، وقد ذكرنا سابقا الأسرة ودورها وتأثيرها على النشئ فكم من معلم يقوم بالدور التربوي على أكمل وجه، وكم ولي أمر يتابع هذه النقطة الحساسة، والمهمة في مسار أولادنا فالأدب فضلوه عن العلم، والوزارة سبق في اسمها التربية قبل التعليم وتقويمها، فإذا كان رب البيت بالدف ضاربًا، فما بالك بباقي أفراد الأسرة، إذا بدأنا بتأهيل المعلم وتحميله المسئولية تجاه الأجيال التي تخرج من تحت يده، خاصة في ظل حروب الجيل الخامس والسادس التي ينتهجها البعض لهدم الهوية المصرية، ومحو الانتماء لدى الأجيال القادمة فقل على الدنيا السلامة.
وكم من معلم يدخن برفقة طلابه، بالإضافة إلى عدم غرس روح الاحترام والولاء وإتقان العمل وتعليم الطلاب أنه لا بد من إتقان العمل، سواء كان مذاكرة أو بحث أو خدمة في مدرستك أو مكانك أو أصدقائك.
كيف يرى القدوة والمثل الأعلى له في استغلال الوقت وكيفية استغلاله للصالح؟، كيف يرى القدوة في إتقان العمل حتى ولو كان عمل بسيط؟ كيف يرى القدوة ومثله الأعلى الذي كنا في السابق نقوم بتقليده ونقوم بدور المدرس لأخواتنا الصغار وتعليمهم.
كم شخص لا يقوم ضميره بمراقبته، فقط يؤدي واجبه كموظف، لا كمثال ولا كقدوة، فهل نعيب على المستوى الأخلاقي المتدني الذي وصل إليه الجيل الحالي، أم نلوم على من تسبب في ذلك، وهنا لا أعمم، فهناك كثيرون أفاضل يراعون الله وضميرهم، في كل ما يقومون به من واجبات إعمالا بالآية الكريمة، "وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، إيمانًا منهم بدورهم التربوي.
وما يحزنني وبحزن أي مواطن مخلص أين ذهبت هويتنا المصرية، هل انتهي جيل "قف للمعلم كاد المعلم أن يكون رسولا، أين مدرس التربية الوطنية والتربية الدينية وغرس الخلق المصرية الشرقية التي تربينا عليها؟ أين مدرس التربية الموسيقية وتوعية الطلاب وإبعاد أذنه عن التلوث السمعي.
كان يوجد في السابق حصة تسمى أنشطة وهي ما بين نشاط زراعي أو تدبير منزلي أو اقتصاد ومجال صناعي، كان الطالب عند عودته لمنزله يريد أن يعمل بها في بيته، حتى كان الطلاب يحافظون على استهلاك المياه والكهرباء، من الذي جنى على من؟
واليوم نجد التباهي بأن أولادنا في المدرسة اللي مصاريفها بكذا أو بالدولار ولم نلتفت إلى السؤال الأهم، من هم الأوائل الذين تخرجوا منها؟ وكم عددهم؟ وما هي وجه الإفادة منها لأولادنا.
حان الوقت لتوحيد الصف والفكر ومقاطعة الفاسدين، بل لاستئصال أوراهم السرطانية من جسد الوطن، واسترجاع هويتنا التي كان يتحاكي العالم عن عظمتها، وذوقها، وتراثها، وتاريخها، وخلقها، حان وقت الاستماتة في الدفاع عن وطننا، وتعميم روح الانتماء ، للمحاربة على كافة الأصعدة، والتنمية على كافة المحاور.