نيفين منصور تكتب.. الأحلام الوردية


منذ زمن بعيد كانت مصر حلم جميل في عيون معظم ملوك العالم، يتمناها أصحاب السطوة والسيطرة والنفوذ، فكانت مطمع لكل ملك يريد أن يمتلك الأرض ومن عليها، كان لها بريق ليس له حدود، حضارة حديثة ومتقدمة وعلوم يتعلم منها العالم بأسره، ثم توالت العصور واختلفت وأنهكت مصر من كثرة المطامع والحروب والاحتلال، وتحولت حياة المصريين إلى مدافع عن أرضه بدلاً من باحث يبحث عن كل ما هو جديد يبهر العالم كما كان يفعل أجدادنا من قبل.
وتوالت الحروب ومحاولات الاستقرار حتى استقرت مصر الحديثة وتحولت أرضها لساحة جديدة من ساحات الحرب ولكن بنوع جديد غير معلن ، فالعدو إرهاب غايته التدمير والتفتيت والسيطرة لإرضاء أحلام واهية لجماعات مختلفة ومتعددة يحركها ملوك السياسة العالمية محبي السيطرة والنفوذ.
ونحن نجاهد ونحاول إعادة البناء تظهر أحياناً أحلام وردية من الممكن أن تصبح حقيقية وتؤتي أكلها كما يقال بمعنى أنها تنجح في تنفيذ الغرض الحقيقي منها، ولكن هل من الممكن تنفيذ الأحلام دون تخطيط مسبق ومدروس ودراسة كافة العواقب المنتظرة من هذه الأحلام، أم أنها ستتحول إلى كوابيس جديدة تؤرق الناس وتفزعهم وتصيبهم بالإحباط؟
حلم من الأحلام الوردية في رحلة البناء والتطوير أطلت علينا به منذ فترة وزارة التربية والتعليم حين قررت استخدام نظام التابلت في التعليم الثانوي ، لتطوير أسلوب الامتحانات، فماذا كانت النتيجة ؟ بالتأكيد بداية كل تجربة قد تظهر معها صعوبات متعددة بالممارسة ومن الممكن تعديلها وتلافي العيوب الناتجة منها، ولكن هناك فن دراسة الأولويات، فهو نهج سليم للتقدم المنشود والمؤكد حدوثه، فهل الحلم الوردي باستخدام التابلت في ظل وجود عجز في المدرسين واحتياج بعض المدارس للتطوير لضمان معاملة الطالب معاملة آدمية حلم وردي من الممكن نجاحه؟ بالتأكيد تحتاج التجربة إلي إعادة النظر وربما للتأجيل لحين تأهيل المدارس والمدرسين والطلاب لاستيعابها وخصوصاً في ظل الصعوبات التي تواجهنا جميعاً في التعامل من خلال الانترنت وكثرة أعطاله والبطء الشديد الذي نعاني منه جميعاً فخدمة الانترنت بصفة عامة في مصر ليست بالشكل المرضي للجميع .
ثم يظهر فجأة حلم وردي جديد تتناقله المواقع الإخبارية بمبادرات دراجة لكل طالب تارة ودراجة لكل مواطن تارة أخرى، بالتأكيد هناك تجارب متعددة في بعض الدول لاستخدام الدراجات كبديل للسيارات حفاظاً على البيئة من التلوث بعوادم السيارات كذلك حفاظاً على الصحة العامة للمواطن، ولكن هل تقليد تلك التجارب تحت مسمى التطوير يناسب المجتمع المصري؟ ولا أتحدث هنا عن العادات والتقاليد وضيق الأفق بعدم السماح للمرأة بقيادة الدراجة أو غيرها من الإشكاليات الواهية، ولكن أتحدث عن الاستعدادات لاستيعاب تلك المبادرات والأحلام الوردية الجديدة.
تجربة الدراجات كانت منتشرة من قبل في بعض المحافظات منها محافظة بورسعيد وكانت عادة طبيعية تعود عليها الجميع إلي أن إزدحمت الطرق بالسيارات وامتد العمران حتي أصبح قيادة الدراجة في أضيق الحدود، كذلك الحال في العديد من المحافظات منذ سنوات متعددة، ولكن بعد التطور الملحوظ واتساع المدن وامتداد الطرقات أصبح ركوب الدراجة شديد الصعوبة في بعض الأحيان فانصرف البعض عنه واتجهوا لركوب وسائل النقل المتعددة.
السؤال هنا هل تم دراسة ذلك الحلم لإعادة نشره من جديد الدراسة الوافية لضمان نجاح تلك التجربة؟ هل الشوارع المصرية بها كافة الاستعدادات لاستيعاب الدراجات بجوار الميكروباصات وعربات النقل والتريلات والسيارات الملاكي والأتوبيسات بالشكل الذي يضمن سلامة راكبها؟ أم أنها تفتح أبواب جديدة لانتشار الذعر بين الناس وكثرة الحوادث المنتشرة علي الطريق؟ إذا أردنا تقليد بعض الدول التي مارست تلك التجربة بنجاح لابد من دراسة كافة الاستعدادات التي قامت بها تلك الدول لضمان سلامة المواطن قبل كل شيء فالدراجات تحتاج لطرقات خاصة ممهدة ومخصصة لها للاختلاف البَيِّن بين سرعة الدراجة والسيارة وخطورة التقائهما معاً في الطرق الرئيسية التي تتزايد فيها السرعة ، غير أن بلوغ الجامعات بالدراجة لا يتناسب إلا مع الطالب المجاور للجامعة ومن المستحيل أن يستعملها الطالب الذي يقيم في منطقة بعيدة عن الجامعة كوسيلة للمواصلات لصعوبة ذلك.
من قبل كان أجدادنا العباقرة يبهرون العالم بفن التخطيط المتقن فكانت الحضارة المصرية رائدة في كل زمان ومكان، وما زال العالم يحاول دراسة أسرار العلوم الفرعونية، وغيرها من الحضارات التي ازدهرت علي أرض مصر، وكان وراء ذلك تخطيط متقن قائم على أسس علمية فتحولت معهم الأحلام الوردية إلى حقائق أدهشت العالم ووقف لها الجميع إحتراماً، فهل أحفاد المصريين في هذا الزمن الصعب يقتدون بالآباء والأجداد، أم تطرح الأحلام الوردية لتتحول مع الوقت إلي كابوس جديد يؤرق الجميع؟