خط أحمر
السبت، 19 أبريل 2025 10:21 مـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

مقالات

نيفين منصور تكتب: رأس السنة

خط أحمر

شاهدت للمرة الأولي العرض الأول لفيلم رأس السنة الذي تم عرضه علي أحدي القنوات الفضائية الشهيرة بالأمس ،، الفيلم بطولة بسمة وإياد نصار وإنجي المقدم وشيرين رضا وأحمد مالك وآخرين، إخراج صقر وتأليف محمد حفظي.

تدور أحداث هذا الفيلم عن مفارقات تحدث في إحدي القري السياحية بالقرب من الغردقة أثناء الاستعداد لحفلة رأس السنة ،، وتجمع المشاهد ما بين تجهيز العاملين للحفل واستعدادات الزائرين للقرية ،، واستقبال البعض للضيوف في انتظار موعد الحفل،، فكرة الفيلم تدور حول المقارنة الخفية ما بين الأغنياء والفقراء في نفس الموقف ونفس المكان وحياة كل منهم بكل ما فيها من تناقضات واضحة ،، يميزها حالة من الضياع المستتر ،، فمن أجل المال كل شيء مباح ومقبول.

الفيلم من نوعية فيلم أصحاب ولا أعز والذي أحدث ضجة كبيرة الفترة السابقة واعترض عليه عدد كبير من المشاهدين واعتبروه أنه مرفوض شكلا وموضوعا وأنه أساء لتاريخ أبطاله وخصوصا لحديثه المباشر عن الشذوذ الجنسي ومشهد خلع السروال الداخلي للفنانة مني ذكي في بداية الفيلم والذي اعتبره البعض سقطة في تاريخها الفني وسارع آخرون بالهجوم عليها وعلي زوجها الفنان أحمد حلمي.

شاهدت بالفعل فيلم أصحاب ولا أعز وعرضت فكرته وفقا لرؤيتي من قبل واعتبرته سقوط إلي أعماق الهاوية لأن هذا النوع من الدراما يعرض الواقع دون حلول فيحدث هزة نفسية في المجتمع وتشتت ،، فالبعض يسري علي نهجه مع الوقت ويعتبر ما تم تقديمه فيه من أفكار تحاكي الواقع ويجب تقبلها والتعايش معها،، والبعض الآخر بات يشعر بالخوف علي نفسه وعلي أولاده وعقيدته من تسرب تلك الأفكار السامة دون مقاومتها وطرحها كأمر واقع يدمر مع الوقت مباديء الدين الحنيف.

ثم تهدأ الضجة وتخمد نيرانها والتي قد تكون مفتعلة لدفع المشاهدين لمشاهدة الفيلم بهدف الربح حتي ولو كان علي حساب أخلاقيات المجتمع وتزداد المهاترات والردود والمواقف المتباينة بين مؤيد ومعارض ،، وتتلاشي الفكرة الأساسية وهي محاولة الحفاظ علي المجتمع بعدما تنتهي المصلحة التي استفاد منها البعض علي حساب الوعي الفكري للمشاهد.

وبالعودة لفيلم رأس السنة ،، ومتابعة قصته ،، الفيلم يعرض أيضا دراما الواقع التي تدور حول ليلة واحدة نفس ما جاء في فيلم أصحاب ولا أعز ولكن بطرح مختلف ،، فالمشاهد هنا متعددة داخل قرية بالكامل وليست داخل منزل أحد الأصدقاء ولكنها تدور حول تجهيزات لحفلة رأس السنة منذ الصباح الباكر وحتي صباح اليوم الأول بالسنة.

الفيلم يعرض ما يحدث داخل مجتمع الأثرياء من الحرية المطلقة بصورة مقلقة فالمخدرات منتشرة بين الحضور في الحفل بصورة ملفتة جدا بالإضافة إلي الخمور والحرية في المصاحبة بين الفتيات والشباب دون علاقات رسمية وطوال الأحداث يتصدر المشهد إياد نصار وهو الديلر الذي يرتبط به الجميع للحصول علي أنواع المخدرات المختلفة كل منهم وفقا لما تعود عليه سواء حشيش أو أقراص وغيرها.

وفي نفس الوقت يوضح التناقض بين شخصية إياد نصار الديلر والذي نكتشف أنه طبيب معقد وغير متزن نفسيا وابن طبيب مشهور لديه مستشفي خاص و يستغل إحدي سيارات الإسعاف ويتنقل بها بغرض توزيع بضاعته ويلتقي بأحد الشباب وهو أحمد مالك في رحلة لشراء المخدرات اللازمة للحفلة ويعرض التناقض بين الشخصيات وفقا لحياة كل منهما.

الأسلوب والطريقة والمحاور الأساسية للفيلم لا تختلف عن محاور فيلم أصحاب ولا أعز رغم اختلاف الإخراج والتمثيل والمؤلف،، ولكن في النهاية المحاور ثابتة،، إحساس بالضياع وعدم الرضا والحياة الممتلئة بالتناقضات والخمور والعلاقات الغير شرعية والمخدرات والشذوذ.

والجديد الذي قدمه الفيلم والذي يعتبر مختلف عن أصحاب ولا أعز هو ما تم داخل منزل إحدي السيدات والتي قامت بدورها الفنانة شيرين رضا بدعوة صديقاتها للاحتفال بعيد ميلاد رانيا التي قامت بدورها الفنانة بسمة هو الاتفاق مع شاب يعمل في مجال المساج بهدف الاستمتاع بليلة عيد الميلاد في حالة من الهدوء النفسي ،، موقف شديد الخطورة ربما يحدث بالفعل ولكنه ملفت ويدل علي انحدار في المفاهيم الحقيقية بين الحلال والحرام .

تلك الأحداث تحدث بالفعل كذلك ما تم من حوار بين الصديقات الثلاثة مريم و سوزي ورانيا في الفيلم عن الرجال ومن الأكثر جاذبية المتصدر المشهد ومن صاحب من، ومن ترك من،، كذلك الحديث بأريحية عن الشاذين من الأصدقاء ،، أصبح هذا الحديث متناول وبكل طبيعية في المجتمع ويزداد كلما زاد الغني وزاد المال وأصبحت الحياة أكثر انفتاحاً،، ولا ينتشر بين المجتمعات النسائية فقط ،، بل ينتشر أيضا داخل المجتمعات الذكورية وبشدة.

ثم تنتهي الليلة وينتهي الفيلم بعد عرض تلك المواقف التي تثير القلق لدي المشاهد ويشعر أنه ربما يشاهد فيلم لمجتمع آخر غير المجتمع الذي يعرفه،، لأن مهما كان عدد الأغنياء بمصر ممن يعيشون بمثل تلك الطريقة فإن الطبقة المتوسطة والفقيرة لها حياة مختلفة والموبقات فيها تنتشر بصورة أخري وملابسات ليست مماثلة.

وينتهي الفيلم بمشهد من خطبة الصلاة وكأن المؤلف يحاول أن يلفت نظر المجتمع للآخرة ولضرورة العودة إلي تعاليم الدين الحنيف ،، بكلمات تدعو إلي الهداية واتباع الشريعة وسنة رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم،، ويجمع المشهد بين الأغنياء والفقراء في نفس المسجد يستمعون لنفس الخطبة ،، ثم يصدم المشاهد من جديد بمشهد الحذاء الذي يسرقه أحد المصلين ليهدي به ابنه الصغير الذي لم يهتم بالحذاء وتركه ليلهو مع أصدقائه الصغار ،، كأن كل ما قيل في الخطبة لم يكن مؤثرا بالدرجة الكافية ليغير من أفعال المصلين .

الفيلم محبط للغاية من وجهة نظري ،، فهو ينقل صورة لواقع الأغنياء بطريقة تدعو لكل متمسك بالدين للنفور من هذا المجتمع بالكامل،، وبالتأكيد أن تلك النماذج منتشرة في المجتمع ولكن في كل طبقة من الطبقات نجد بينها الصالح والطالح ،، فلدينا نماذج محترمة بين الأغنياء كما هو الحال في جميع الطبقات الاجتماعية، ولكن تصدير المشهد بتلك الصورة دون معالجة أو عظة يصدر صور سلبية لدي العالم كله ليس فقط لدي طبقات الشعب الواحد.

وبالعودة إلي هذا النوع من الدراما وهي دراما الواقع والموقف ،، نجد أننا يجب أن ننتبه ،، فالعمل الدرامي سواء السينمائي أو التلفزيوني مهما كانت وسيلة عرضه يدخل البيوت والعقول بسرعة البرق ،، وسرعان ما تثبت تلك الأفكار في العقول ،، ومع التكرار تتعود العين ويتعود العقل أيضا علي ما فيه من مفاهيم وتصبح عادة مقبولة وأفكار مستأنسة ،، وتفرض نفسها مع الوقت ،، وتلك الأفكار تهدد أمن وسلامة المجتمع بأسره ويجب إعادة النظر إليها بصورة تحمي المجتمع من خطر ترويج تلك الأفكار دون عظة أو هدف.

تعلمنا من القصص القرآني أن لكل حكاية هدف من سردها وإلا لا داعي لها ولا قيمة ،، فهي قصص استرشادية تروي الواقع ثم تعرض النتيجة سواء بالسلب أو الإيجاب بهدف التعلم والتنبه والرقي ،، يقول المولي عز وجل (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) . ولكن ما يحدث حاليا علي أرض الواقع من محاولات لنشر دراما الواقع بمثل تلك الطرق يحاول أن يأخذنا إلي الغفلة الحقيقية بزرع تلك الأفكار دون عظة أو منفعة حتي تصبح حقيقة مفروضة تدمر المجتمع.

نيفين منصور رأس السنة خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة