الدكتورة دينا السايح تكتب: انشروا الحب واخلقوا له أعياد كثيرة


أغنية عاشق الروح، للفنان محمد عبد الوهاب، وكلمات حسين السيد.
تلك الأغنية التي رأيناها جميعا بمقدمة عميقة عن الحب العظيم الذي يأتي من صميم الوجدان، من الفنان يوسف وهبي في فيلم قديم غنائي رومانسي خفيف الظل فيلم غزل البنات بطولة ليلى مراد، والظهور المميز لأنور وجدي، والفنان العبقري نجيب الريحاني، الذي صور في تلك المشاهد البسيطة والتي تأتي في نهاية الفيلم، مأساة عشق تراجيدية مؤلمة تخطف القلوب، اختصرها يوسف وهبي في بيت شعر واحد حين قال:
وكل مرادي أن تكون هنيئة ولو أنني ضحيت نور حياتي
الأغنية، والحالة التي جسدها نجيب الريحاني، تجسيد حقيقي لتلك الحالة الراقية التي تسمى الحب.
ذلك الحب الذي لم يكن فيه لا التقاء ولا تلامس، لا يحاسب فيه المحبوب محبوبه على العطاء ولا ينتظر الرد. أقصى أمنياته أن يرى ابتسامة حبيبه، أن يراه سعيدا،
تلك هي الحالة التي يمكن أن يقول عنها الغارق فيها أنه محب
المحب يشكو السهر، يشكو البعد، تغرقه دموعه يتألم وقد ينكسر، ولكنه لا يعتزل محبوبه.
تشحذ الالام روحه، فيرتقي ويتهذب.
أصبح ذكر محبوبه تسبيح،
البعد والقرب عنده سواء، فمحبوبه في داخله لا يغيب.
يعتزل الناس ليلتقيه، ويناجيه ويكون الوصل.
حين يصل العاشق لهذه الحالة ينخلع من نفسه ويصبح كله اسم حبيبه، يصبح هو حبيبه، هما روحا واحدة، ما يؤلمه يؤلمني، وما يسعده يسعدني، وصفتها السيدة زليخة امرأة العزيز عن عشقها لسيدنا يوسف: (كنت أنا يوما ما، الان أنا كلي أنت، لا زليخة في الوجود).
هذه الحالة لا أنا فيها، بل هو كله محبوبه.
هو لا يشعر أنه يضحي، هو يغرق في حالة تجعله يسهر، يناجي، يحزن، يشتاق، يتألم، ويبكي، يذرف الدموع التي ملأت عينيه من غصة في قلبه من كثرة الشوق وألم الفراق، فينفرج قلبه بدقات اسم محبوبه، فيعود منتشيا برعشة الوصل التي لامست قلبه، دون لقاء
يعيش العاشق في هذه الحالة، لا يدرك مضي الوقت، وهو في ذكر محبوبه، فلا وجود هنا لحسابات البشر من وقت ومادة وجسد.
هذا هو الحب يا سادة،
الذي وان صادف التقاء فهو الفوز العظيم، وان لم يجد فهي حالة أشبه بالخلود، التي يحيا فيها كلاهما.
(حضنت الشكوى في قلبي، وفطمت الروح على أملك)
يقول جلال الدين الرومي: وما لم نتعلم حب خلق الله فلن نستطيع أن نحب الله حقا، ولن نعرف الله حقا
يقول العاشق لنفسه، سألتقيه يوما ما، سيدرك مشاعري، سيعرف أنه أملي وتسبيحي وصلاتي، وذكري، سوف ألتقيه ولو في عالم اخر، ولو كان عالم صنعته من الخيال، فقلبي معبده، ومحراب ذكره.
(عشقت الحب في معبد بنيته، بنيته بروحي وكياني، وخليت الأمل راهب، ملوش عندي أمل تاني)
هذا هو الحب، هذا هو النور المقدس والفطرة الطاهرة النقية، التي أوجدنا الله عليها وأرادنا أن نعيش فيها، فالأرواح التي تعيش هذه الحالة ترتقي، والروح التي تصل لتلك الحالة من المحبة، هي من تعرف الله.
يقول الدكتور مصطفى محمود في كتاب الأحلام: الانسان بدون حب، انسان ضائع متشرد، بدون أهل بدون سكن، بدون وطن، بدون شيء يمت اليه بقرابة، بدون شيء يمسك عليه وجوده ويلضم لحظاته بعضها في بعض، انه يتبعثر في ألف رغبة، تنتهي الى ملل وكل ملل ينتهي الى يأس، لأنه يصبح مجرد شهوات حلقها جاف تزداد عطشا كلما ارتوت. لا شيء يملأ ذراعيه ولا شيء يملأ قلبه ولا شيء يملأ عينيه
زائغ.... زائغ على الدوام، ان الجحيم أهون... ان الموت أهون... من أن نعيش حياتنا بلا حب.
الحب هو تلك الحالة التي تأتي في العمر مرة ان أتت، لا تعرف في أي سن كان، لا تعترف بالظروف، ولا المستحيلات، لا مقياس لها ولا محددات ولا علامات سوى أن المحب يجد نفسه مهووس لدرجة كبيرة، ومهما حاول مقاومتها والتسلح بأسلحة الصد المعروفة كلها، أو الهروب منها، يغرق أكثر
فمحبوبه عندما يأتي في خاطره، يكون في موطن الراحة والأمان الذي تبحث عنه الروح منذ خلقت.
مهما كانت العلاقة ترجمة للمستحيل هي الوطن
واني أحبك... بمثقال كون بما حوى
ثم اني أحبك عمرا... وما نهاية العمر الا الفنا... الحلاج
تلك الحالة التي وان لامست القلوب، لن تجد مشاعر الكره، والغل، والحقد والحسد، مكانا فيها، ستختفي الحروب، والصراعات، سيختفي كرهك للاخر، ويصبح العالم أجمل.
يقول جلال الدين الرومي في قواعد العشق الأربعون: حياتك حافلة، مليئة كاملة، أو هكذا يخيل اليك، حتى يظهر فيها شخص يجعلك تدرك ما كنت تفتقده طوال هذا الوقت. مثل مراة تعكس الغائب لا الحاضر، تريك الفراغ في روحك، الفراغ الذي كنت تقاوم رؤيته.
تمتلئ القلوب بمحبة كل الموجودات حولنا، فيطير قلب العاشق سائح في ملكوت خلقه رب كريم، ذلك الملكوت الذي سر تكوينه المحبة، فلا ترتبط الأشجار بالأرض الا بالمحبة، ولا تلتصق البحار الا بالمحبة، ولا تنغرس الجبال في عمق الأرض الا بالحبة، لا تتواجد فصائل المخلوقات في مجموعات تجمعها روابط المحبة، حتى لو توغلنا، سنجد أن الذرات ترتبط ببعضها بالمحبة.
شيء من الاعجاز يحدث بيننا وكأن لي روحا وروحك ظلها
أتظنني أبديت كل صبابتي هذا الذي أجرى الدموع أقلها
للناس عشر الحب يقتسمونه ما بينهم.... ولنا البقية كلها
الحب، تلك الحالة الكاملة، التي لا نقص فيها ولا افتقار، فمن عاش فيها فهو سعيد رغم حزنه، الحب غايته وقد صادفه، فقد امتلك الكون في قلبه.
(وأبيع روحي فدا روحي، وأنا راضي بحرماني، وعشق الروح مالوش اخر، لكن عشق الجسد فاني).
يقول شمس الدين التبريزي: ان السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب الا وينضج أثناء رحلته، فما ان تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل ومن الخارج.
انشروا الحب واطلقوا الأرواح بالمحبة، فقد افتقدنا الحب ووضعنا دونه الأحجبة، التي تحجبنا عنه، وعن أنفسنا، وعن الخير والسعادة والراحة، تحجبنا عن الله
توقفوا عن ذلك الصراع الدائم اليومي في الحياة، والتقطوا أنفاسكم قليلا وأفتحوا للحب الأبواب، حتى تفهموا الواقع الذي نعيش فيه، حتى تفهموا مراد الله فينا، حتى تملكوا المقدرة على التكملة في هذه الحياة، وينتشر السلام فهذه الحياة لن تحتمل دون الحب
وإني أحبك
كن أنت كما تحب فأنا أحبك كما أنت
فروحي كانت في السابق تبحث
واليوم التقت