جرجس بشرى يكتب : كيف تنجو السعودية من فخ ترامب ؟!!


لا يمكنني أن أكتب هذا المقال دون الإشارة لعبارة مهمة قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الإستثنائية المنعقدة مؤخرا في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية وهي .. " لا يوجد أحرص من العرب على علاقات جوار صحية وسليمة تقوم على احترام سيادة الدول العربية وعدم التدخل في شئونها والإمتناع عن أي محاولة لإستثارة النعرات الطائفية والمذهبية ،وكل من يلتزم بهذه المباديء سيجد يدا عربية ممدودة له بالسلام والتعاون .... كما أنه لا معنى عن مقاربة استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي ،بدون تصور واضح لمعالجة الأزمات المستمرة في سوريا وليبيا واليمن ، واستعادة وحدة هذه الدول وسيادتها وتحقيق طموحات شعوبها في الحرية والحياة الكريمة في ظل دول موحدة ذات سيادة ،وليست مرتهنة لإرادة وتدخلات وأطماع دول إقليمية وخارجية أو أمراء الحرب والميليشيات الإرهابية والطائفية ....."
كما أشار الرئيس السيسي في كلمته أيضا بالقمة إلى ضرورة حل مشاكل المنطقة العربية بالحكمة والحزم ، والتأكيد على أن الدول العربية لن تتسامح مع أي تهديد لأمنها ولكن في ذات الوقت تظل دائما على رأس الداعين للسلام والحوار مستشهدا بالآية القرآنية : ( وإن جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل على الله ) .
لعل كلمة السيسي في القمة تؤكد أن مصر تنتهج سياسة لا تحيد عنها أبدا وهي السلام القائم على القوة والحق ، ورفض الصراعات الطائفية والمذهبية المدمرة للدول وجيوشها الوطنية ، وربما يتساءل البعض لماذا كانت افتتاحية مقالي بكلمة الرئيس السيسي في القمة ؟ ، والحق أقول أنني لم اجد مدخلا مهما وجوهريا للمقال أنسب وأجدى من هذه العبارات التي قالها الرئيس السيسي وهي عبارات تؤكد أن الرجل دائما داع سلام ومبادر -- في كل الأزمات التي تواجهها المنطقة العربية المشتعلة -- إلى الحوار واللجوء للحلول الدبلوماسية كبديل استراتيجي عن الحروب والصراعات على قدر المستطاع.
فالمؤامرة التي تحاك الآن لإغراق المنطقة العربية كلها وأولها السعودية ثم مصر من قبل الصهيونية العالمية مرعبة بحق ، ومن المقطوع به أن هذه المؤامرة بدأت تتسارع وتيرتها بعد وصول الرئيس دونالد ترامب للحكم.
وهو رجل اعلنها صراحة وقت حملته الإنتخابية أن السعودية هي البقرة الحلوب للولايات المتحدة الأمريكية وأنها يجب أن تدفع ثمنا مقابل الحماية بل أن ترامب قالها ببجاحة للملك سلمان : " لن تستطيع البقاء لإسبوعين بدوننا "! .
لقد حذرت في مقال لي منذ قرابة الثلاث سنوات من المؤامرة والخدعة التي لجأ إليها ترامب والصهيونية العالمية لحلب السعودية وانهاكها وابتزازها بل ومحاولة اسقاطها وتغيير جغرافيتها بل ومسماها ومحاكمة العائلة المالكة بأخطر سلاح عرفه التاريخ وهو " الطائفية والمذهبية " وقد نجح ترامب نجاحا يحسده عليه الكثيرين في إيقاع السعودية في هذه االمصيدة عبر إشعال حرب سنية شيعية بتعظيم الخوف من إيران ، و اقناع بعض دول الخليج بضرورة الدخول في مواجهة عسكرية معها ،وأنا من هنا احذر من خطورة انزلاق المملكة في هذا الفخ خاصة وأن الإسلام يرفض المذهبية والطائفية والإرهاب ، وأطالب المملكة العربية السعودية بالتفكير بشكل جدي للتحاور مع إيران و كيفية إيجاد حلول دبلوماسية للأزمات والصراعات المشتعلة في المنطقة العربية خاصة في سوريا واليمن لأن تكلفة الحرب باهظة على كافة المستويات .
وفي رأيي لا طوق للنجاة من مخطط اشعال المنطقة بالحرب المذهبية واغراق المملكة العربية السعودية وانهاكها واستنزاف مواردها ومحاولة تفكيكها وتقسيمها إلا بالتحاور مع إيران ، ولن اكون متجاوزا لو قلت أنني أطالب الحكماء في العالم العربي والإسلامي بضرورة عقد مؤتمر عالمي للإعلان عن مصالحة تاريخية بين إيران والسعودية ووضع شروط لهذه المصالحة تضمن سيادة الدول العربية على أراضيها وعدم التدخل في شئونها الداخلية ورفض أي محاولات لنشر المذهب الشيعي في المنطقة .
ومع أنني دعوت لهذه المصالحة من سنوات طويلة وحذرت من الحرب المذهبية التي يتم طبخها الآن لإغراق المنطقة في حروب سنية شيعية تحت ستار " ردع إيران أو الحرب عليها " إلا أنني ما زلت أدعو واكرر مطلبي بهذه المصالحة التاريخية ، و أتوجه من هنا برسالة عاجلة للملك سالمان بن عبد العزيز ملك السعودية بضرورة الإنتباه من الفخ الصهيوأمريكي لإسقاط المملكة تحت ستار الحرب على إيران أو ردعها ، وأطالب أيضا الملك سالمان والرئيس الإيراني بضرورة التفكير بشكل جدي في كيفية الوصول لمصالحة تاريخية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ، تعالوا .. جميعا إلى كلمة سواء واحبطوا المخطط وجنبوا المنطقة شلالات الدم المتواصل .
فالتاريخ يؤكد أن الطائفية سلاح فتاك دمر كل من لجأ إليه لتخقيق مكاسب رخيصة باسم الدين -- أي دين -- فالأطراف المتصارعة مذهبيا وديني الكل فيها خاسر ولن ينجو منها أحد ، حتى من يذكونها ويدعمونها بالمال والسلاح والآلة الإعلامية والسيبرية وحتى من يحرضون عليها .. فالمذهبية والطائفية وجهان بغيضان من وجوه الإرهاب ، ولا سبيل للنجاة من براثنها سوى الدولة الوطنية .
ويؤكد التاريخ ذلك لنأخذ منه الدروس والعبر فمثلا سقط اخناتون ملك مصر قديما بسبب تمسكه بالدولة الدينية والحرب بلا هوادة على كل من يؤمنون بالإله ( آمون ) وتهاوت المملكة وتقلصت في عهده بسبب هذه الدروشة ، وأضاع المملكة المصرية المترامية الأطراف في فلسطين وشمال العراق والأناضول وبابل وآشور التي تركها الملك تحتمتس الثالث والتاريخ لن ينسى ويلات الحروب المذهبية في العصور الوسطي باسم المسيحية والمسيحية منها براء براء .
وفي نهاية كلامي أود أن أذكر عبارة قالها الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر في مؤتمر جمع بينه وبين اعضاء البرلمان الألماني وهي : ( العلاقة بين السنة والشيعة هي علاقة بين أبناء دين واحد ، والأزهر دائما ما ينادي بهذا ،وقلتها الإسبوع الماضي في اندونيسيا أن الشيعة والسنة جناحا الأمة الإسلامية وهذا كلام لا فصال فيه ، فلا يستطيع اهل السنة أن يخرجوا الشيعة من الإسلام ولا يستطيع أهل الشيعة أن يخرجوا السنة من الإسلام ،وعشنا سويا اربعة عشر قرنا من الزمان لم يسجل التاريخ حروب طاحنة بين السنة والشيعة في الشرق ، ولكن للأسف الشديد استغلت الطائفية والمذهبية لإشعال حروب يمكن أن تخدم أهداف توسعية إقليمية ، وما يحدث بين الشيعة والسنة الآن أنا متأكد أنه إلى زوال وحبنما تنتهي الزوبعات السياسية والعسكرية سيعود الجميع اخوة في دين واحد
فهل يفعلها الملك سالمان ويتنبه لخطورة الفخ ويدرك أن المخطط الصهيو امريكي لتأجيج الصراع المذهبي بين السنة والشيعة هدفه استنزاف وحلب وابتزاز المملكة بل واسقاط جيشها وتفكيك الجيوش الوطنية العربية كي لا تعد لها أي قوة مواجهة التغول والإستيطان الإسرائيلي في فلسطين ، وهل يتخذ الملك سالمان والرئيس الإيراني أيضا زمام المبادرة لمصالحة تاريخية بين البلدين ؟!! أنا شخصيا أرجو ذلك