نيفين منصور تكتب: فتن الشيطان بين الماضي والحاضر


لفترات طويلة كنت اسأل نفسي لو خُيِّرت الحياة في أي زمان أيهم سأختار ؟ ربما كُتِبَ علينا أن نأتي في آخر الزمان حيث الشدة والصعوبة في كل شيء رغم الظاهر من الأمر بوجود التكنولوجيا الحديثة ووسائل التعايش المختلفة والانفتاح علي كل بلاد العالم .. ولكن سيظل هذا الزمان وزمن من يأتي بعدنا أصعب الأزمان إلي أن تنطوي قصة حياة الأرض بكل ما فيها من محن وابتلاءات ونعود من حيث بدأنا إلي عنان السماء بعد أن نتخلص تماما من كل ماهو شيطان سواء شياطين الإنس أو شيطاين الجن واتباعهم .
في البداية كان الظهور الأكبر لثلة من شياطين الجن وقلة من شياطين الإنس ثم ازداد عدد شياطين الإنس زيادة مذهلة حتي أصبحت الحياة شديدة التعقيد وتغيرت الفتن وازدادت سوءا وقسوة وأصبحنا نحيا علي الجمر ليلا ونهاراً نحاول جاهدين أن نقبض علي الدين بالقبض علي الجمر الملتهب.
في الماضي كانت الفتن بسيطة تتناسب مع بساطة الزمان الذي أتت فيه ،، ثم تطورت مع تطور الزمن والانفتاح ولكن تظل جذور الفتن ثابتة لا تتغير ربما أبدع الشيطان في صياغتها وطَوّر من نفسه حتي أصبح أكثر ذكاءاً وحنكة ،، ولكن ما زال يحتفظ بالفروع الرئيسية كفتنة المال وفتنة السلطة وفتنة الشهوة وفتنة المُلك وغيرها..
في الماضي كنا نسمع عن الأخ الذي قتل أخيه من أجل إمرأة،، وحروب جبارة احتشدت فيها أعداد هائلة من الجنود من بقاع الأرض المختلفة أيضاً من أجل إمرأة ،، أو من أجل حب المُلك والسعي وراء الألوهية والثروات ،، كما عاشت أجيال متتالية تحت وطأة ذل الحرب من أجل المجد الشخصي الذي سعي إليه ملوك تلك الأزمان ، ثم جاءت الرسل فتحول المسار للجهاد والسعي لنشر الدين بمختلف رسالاته حتي انتهينا بالإسلام وجاهد مَن قبلنا لنشره وغيروا أمام أعيننا مفاهيم الحروب والسعي والشقاء .. فلم يحارب هؤلاء من أجل مجد شخصي أو حُبا في القتال أو سعيا وراء المال والسلطة أو من أجل النساء ولكن حاربوا من أجل نشر العبادة والعزة والكرامة ،، فتحولت الحرب إلي الحرب ضد الشيطان والطواغيت واتباعهم ومن شابههم .
وكأن الرسالات السماوية كانت نفحات نورانية جاءت لترحم الأرض من كيد الشيطان وتضيء مصابيح النور في القلوب فتبعث بالأمن والطمأنينة وتعطي للحياة نكهة من نكهات الجنة ،، وسرعان ما تتبدل الحياة وتتغير خطط الشيطان وفقًا للمعطيات الجديدة،، فتغيرت الفتن تدريجياً ولم تعد الفتنة هي تؤمن أو لا تؤمن كما كنا نري في البدايات وكما حدث مع الأولين،، إنما تحولت إلي مسار آخر ،، ترك الشيطان الرسالات تنتشر وتتوغل في القلوب وتتوارثها الأجيال ،، حتي ازداد عدد من يعرف المولي عز وجل علي الأرض ولكن تحولت المعرفة إلي معرفة سطحية وتحولت الفتن إلي مسار مختلف.
مَن يظن أن الشيطان مجرد صوت يهمس في الأذن ليمنعه عن آداء العبادات فهو ساذج ،، الشيطان أذكي من ذلك بكثير ،، استطاع تحالف شياطين الإنس والجن من نشر الفساد والجوع و الحوائج ،، استطاع أن يغسل العقول وينسج الفتن بأشكال جديدة ومتعددة،، لتأهيل الأرض لظهور الدجال ،، واستطاع ثالوث الشر أن يُضَيِّق علي عباد الله ضعاف النفوس حتي يزداد عدد المستضعفين في الأرض ، وتزداد الفتن المستحدثة بأسلوب عصري يتناسب مع الحضارة الحديثة ،، فكان ما مضي من زمن رغم صعوبته أسهل بكثير مما هو آت .
خُلِقنا خلفاء للمولى عز وجل في أرضه ،، ولكن منا من استطاع أن يفهم معني الفتنة ومنا من تاه وحاد عن الطريق و استذله الشيطان ،،وما زلنا في صراع يدوم ما دامت الحياة،، حتي يرث الله الأرض ومن عليها،، وما زلنا نجاهد أنفسنا للتمسك بالحق ،، ونسعى وراء النور رغم كثرة الظلام ،، اللهم إنا نعوذ بك من فتن الشيطان ونعوذ بك من كيده ونعوذ بك من أوليائه .. اللهم اجعلنا ممن قلت عنهم (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ).