نيفين منصور تكتب: هكذا نفقد الثقة؟


الثقة ليست كلمة عابرة ولا تأتي من فراغ ولكنها نتاج تجارب متعددة ومواقف مختلفة تتراكم مع الوقت حتي تُكون جداراً متيناً و سميكاً يحتمي به الانسان في علاقاته مع غيره من البشر .. ولا يتوقف علي علاقات الانسان بغيره ولكن الثقة هي الجدار الذي يحمي شتي العلاقات بين المرء وربه وبين المواطن والوطن .
والجدار قد يكون قوي ومتين يتحمل الصدمات المختلفة والتغيرات المتكررة في العلاقات المتبادلة وقد يتحول مع الوقت إلي جدار هش من السهل هدمه ومن الصعب إعادة بنائه.. وقد يستحيل ذلك أحيانا أخري .
في الزواج مثلا ، إذا لم يتم بناء جدار متين من الثقة بين الرجل والمرأة قد يسهل هدم العلاقة مع توالي الصدمات أو الخلافات الواقعة وقد تنتهي تلك الصدمات بالطلاق ولا يمكن إعادة بناء جدار الثقة إذا انهدم وتساقطت لبناته واحدة تلو الاخري..
في البداية نري متوهمين أحيانًا بسبب العاطفة أن جدار الثقة متين وقد نستطيع تحمل كل العقبات في وجود الحب .. ولكن الحب وحده لا يكفي لاستمرار العلاقات الزوجية .. فالزواج يختلف تماما، فهو مشروع ابدي وميثاق غليظ قواعده أساسها الاستمرارية والاستمرار في الحياة مع شخص بذاته مستحيل اذا تسربت مياه الشك لتسقط مع الوقت جدران الثقة فينهار جزءا جزءا حتي تستحيل العشرة تماماً.
هكذا الحال في شتي العلاقات بين البشر سواء مع الأهل أو الاصدقاء أو في مجال العمل وعندما تتلاشي الثقة يوماً بعد يوم يتصدر المشهد الإحباط واليأس وفقدان الأمل في الحصول علي الراحة النفسية والتوازن الروحي والاطمئنان ويفقد الشخص الرغبة في التعامل مع الجميع ويُفضل العزلة كنوع من الهروب النفسي من التعامل مع أشخاص مفقود الثقة فيهم وتتحول أفعالهم كلها مهما كانت أفعال إيجابية مرضية إلي أفعال مشكوك في نواياها والغرض منها.
الأصعب والأشد عندما يتحول الإحساس بفقدان الثقة إلي أقصي درجاته ويرتبط ليس فقط بالأشخاص انما يرتبط أيضا بالمكان ،، فيتمكن اليأس تماما من القلوب ويرفض العقل الزمان والمكان والاشخاص.. فيفقد مع الوقت الرغبة في الحياة ويلجأ إما للهروب إلي مكان آخر أو إلي التخلص من الحياة نهائيا ويختار العودة إلي خالقه لأنه لم يجد في الدنيا ما يشعره بالثقة ..
يحدث أحيانا بسبب بعض الموظفين المسيطرين علي أماكن حيوية تتحكم في مصائر الناس والذين فقد البعض منهم ضمائرهم ،، فيتسبب التعنت والتلاعب في فقدان الثقة لدي بعض المواطنين .. مما يؤدي إلي حالة من الإحباط الشديد الذي يؤدي إلي فقدان الثقة نهائيا فيما يحدث من انجازات أو في محاولات الإصلاح التي يسعي إليها غيرهم من المسئولين وتسود الدنيا في العيون وتعمي القلوب تماما لفقدانهم في الوصول لحلول تقضي علي التعنت وتسهل لهم الحياة..
وهذا النوع من فقدان الثقة في منتهي الخطورة ويحتاج لتوخي الحذر لأنه يقضي مع الوقت علي الانتماء فالانتماء يأتي عندما يشعر الإنسان أن هذا الوطن وطنه وله مكان علي أرضه وتحميه قوانينه ويطمئن وسط أهله ،ولكن عندما تتعقد الأمور أمام عينيه ويقضي حياته يلهث وراء مصالحه دون الوصول إليها تنقطع مع الوقت أواصر الصلة بينه وبين تلك الأرض ويشعر انه سجين علي أرضه ويسعي وراء الرحيل فالحياة تصبح أمامه كحياة الغريق في وسط محيط بعيد ،،أمواجه عالية ولا ملجأ فيه ولا معين يحاول مقاومة الغرق دون جدوي ودون أمل .
الأخطر والأخطر عندما يتسرب الإحساس باليأس إلي القلوب حتي يتحول إلي حالة من فقدان الثقة مع المولي عز وجل ويشعر المرء أنه مغلوب للأبد وأن لا حيلة له وأن سلطان الظالمين ينفذ عليه ويتناسى أن قدرة المولي عز وجل أقوي وأسمي من كل سلطان جائر.
نحتاج جميعا إلي وقفة مع النفس ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب أمام المولي عز وجل ،نحتاج إلي التراحم فيما بيننا والقضاء علي الفساد المتغلغل في العديد من الجهات ونجذب الناس للانتماء من جديد حفاظاً علي الدولة من الانهيار كمان نحتاج للعودة إلي الله بالفعل لا بالقول ونتفهم المعني الحقيقي لليقين الذي يبني جدار حصين بين المرء وربه فيفهم معني قدرة الخالق الحقيقة عندما يقول للشيء كن فيكون.