مقالات

الدكتور السيد الخطاري يكتب: كورونا .. واللحظات النادرة 

خط أحمر

في ظل التدابير الإحترازية التى تتخذها دول العالم لمواجهة جائحة "كورنا المستجد"، وما ترتب عنها من إجراءات وقائية كتأجيل الدراسة، وتخفيض عدد العمالة، وإغلاق المطاعم والمقاهى والكافتيريات والكافيهات والكازينوهات والملاهى والنوادى والمولات التجارية، وأيضًا غلق ما يماثلها من المحال والمنشآت التى تهدف إلى بيع السلع التجارية وتقديم المأكولات أو الخدمات أو التسلية أو الترفيهة ووحدات الطعام المتنقلة، وفرض حظر التجوال في معظم الأنحاء حول العالم أمام المواطنين مدة لا تقل في بعض البلدان عن أسبوعين ووتصل في الأخرى لشهر أو تزيد .

وبناءً عليه ستجد نفسك عزيزي وأنت مرغماً كزوج أو زوجه، وأب أو أم، وجد أو جدة ، وأخ أو أخت، تعيش هذه الفترة واحداً من ضمن فريقين متنافضين، أولهما سيجد نفسه يعيش وسط كنف أسري وجو عائلي ربما يشعر أنه جديد عليه، وأول مره يمكن أن يعيشه منذ فترة في تصوري ليست بقصيرة، وأراه ربما كان مشتاقاً لهذا الدفء، وعلى النقيض تجد فريقاً آخر يمكن أن يشمئز من هذه الفترة، وربما يشعر بالضيق أو التأفف من تبعاتها العائلية، فهؤلاء ليسوا من أعنيهم أو أقصدهم من مقالي هذا، وإنما من أقصده هو الفريق الأول الذي يعيش في دفء الأسرة أو من يفتقد هذا الشعور، ممن حكمت عليهم الظروف أن يعيشوا بعيداً عن أهليهم وعائلتهم الكبيرة في هذه الفترة العصيبة - وهم كثر- فهؤلاء من أخاطبهم هذه المرة ، وأهمس في أذنهم وأقول لهم إنها لحظات نادرة تستحق الحمد والشكر والثناء على نعمة العائلة .

فالعائلة قديماً كانت أقوى ضمانة ضد الإنحراف والأمراض النفسية التي تصيب أولادنا في العصر الحديث نتيجة ثورة التكنولوجيا وعصر العولمة الذي اختلطت فيه الأمور وانقلبت إلى حد السكين فجزت الأصول وأبقت الفروع تعصف بها رياح الاغتراب عن الأهل والأسرة، حتى جاءت" كورونا" فقامت دون قصد بإعادة أواصر الألفة من جديد بين أفراد الأسرة الواحدة، بعدما فرقتهم الحياة من قبل، فالغالبية من أفراد الأسرة الواحدة في مواجهة "كورونا المستجد" أصبحوا يجتمعون بالمنزل الواحد، ويأكلون على طاولة واحدة ربما كان يكسو بعض مقاعدها التراب من جراء عدم الإستخدام، وباتوا يتحاورون ويتسامرون في أجواء مختلفة، ومشاعر ممزوجة بالدفء والحنين والخوف والحذر، وأصبح هناك لقاءات بين الآباء والأبناء بعدما كانت تمنعهم عجلة الحياة في الفترة الماضية من اللقاء نظرًا للالتزامات الحياتية المتعددة.

فالجميع برأيي قد أيقن أخيراُ أن العائلة هي الوطن الصغير المطمئن في ظل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم المضطرب، وهي الملاذ الآمن للجميع في هذا الوقت الموحش، فالعائلة واحتضانها لأفرادها هذه الأيام في بوتقة الحب والطمأنينية والأمل، يمكن أن تحقق للإنسان الحماية من مصائب المستقبل، فضلاً عن الأمان النفسي والاجتماعي والعاطفي، فمن يبحث عن منفذ يفرغ فيه مشاعر الخوف المكبوتة لديه، فليفرغها في كنف علاقته مع أشقائه وأهله وأفراد عائلته، بعدما عادت له المكان الدافئ الذي يلجأ إليه حينما يتعب أو يغرق في بحر الدنيا، وأعلم عزيزي أن عائلتك هي قوتك في ضعفك ، وسعادتك في حزنك ، وهي ثقتك في خوفك ، وهي كمالك عند نقصك ، ولمة الأهل في الضراء قبل السراء هي أسمى معاني الإحساس بالأمان، فالأسرة هي الذخيرة لمواجهة كربات الدهر، وهي النور الذي يشع في ظلمات الحياة، وهي الأمن من مخاوف هذه الدنيا التي كلما خطفت الإنسان من أسرته، سرعان ما أعادته رغم أنفه لحضنها وكنفها.

فأتصور أن هذا الوقت الذي ربما يقصر أو يطول يمكن أن يكون فرصة ذهبية سانحة لمجالسة كل أفراد الأسرة وتعميق الروابط وتوثيقها والتناصح والتشاور حول ما يهم العائلة وأفرادها، وإصلاح المشاكل والإضطرابات الأسرية القديمة - إن وجدت - مع ضرورة العفو والتغافل عند وقوع الأخطاء نظرًا لحالة الضغط التي يعيشها الجميع في زمن الكورونا ، فالتداعيات النفسية لوباء كورونا لا تقل خطورة عن التداعيات الصحية، خصوصًا في ظل تسرب حالة الرهاب الاجتماعي بين البعض، فينبغي علينا ختاماً أن نستثمر هذه اللحظات النادرة التي وضعتنا فيها "كورونا" في إعادة بناء البيت من الداخل بتعزيز علاقاتنا مع زوجاتنا وأبنائنا وآبائنا وأمهاتنا وأشقائنا وأهلينا، حتى تعود الأمور لطبيعتها وتمر الظروف على الجميع بسلام، وأتمناه قريباً بمنه وفضله عز وجل .

الدكتور السيد الخطاري كورونا واللحظات النادرة خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة