نيفين منصور تكتب: شاي بلبن بالقسماط


هاجمني البعض عند نشر مقالتي الأخيرة (كلمة حق ..لماذا محمد رمضان) والتي حاولت فيها أن أوضح للبعض أن دعوة القضاء علي الفنان محمد رمضان لشخصه غير منصفة، فالعمل الفني هو نتاج مجموعة متكاملة من الأفراد لكل منهم دوره المتخصص والممثل أو المغني هو فرد ضمن تلك المنظومة المتكاملة، وغير منصف أن يتحمل وحده دون غيره مسئولية الإسفاف الذي أصبح جزء لا يتجزأ من مجتمعنا وأصبح الشبح المرعب الذي يستطيع أن يقضي علي الذوق العام للمجتمع المصري ويتسبب في ارتفاع نسبة الجرائم نتيجة التأثر بمشاهد البلطجة وسماع الأغاني التي تدعو إلي التحرش والسب والقذف والإساءة للمجتمع ككل.
وأوضحت من قبل أن الفنان لا يمكن أن يتحول إلي نجم الشباك الأول أو المغني الأكثر انتشاراً دون فريق عمل لديه القدرة التسويقية ويفهم جيداً طبيعة الجمهور الذي يخاطبه، فالموهبة وحدها لا تكفي للنجاح في أي مجال فني سواء كان التمثيل أو الغناء أو الرسم وغيرها من الفنون الإبداعية المتعارف عليها، وكلنا يعلم ذلك ، الموهبة وحدها لا تكفي ، فالعمل الفني إذا لم يجد من يحترف تسويقه سيظل علي الهامش مهما كان قدر الموهبة، بجانب توفيق المولي عز وجل لهذا الفنان وما كُتِبَ له من رزق ورَفْع ذكر بين العباد.
بالتأكيد كل منا لديه حلم يسعي لتحقيقه ويعاني في سبيل ذلك الكثير من المعاناة التي قد تظل متواصلة لسنوات طويلة، حتي يأتيه الحظ من حيث لا يدري ولا يحتسب فيلمع كالنجوم وينتقل بسرعة البرق إلي الصفوف الأولي في مجاله ويجني ثمرة شقائه. ولكل منا طريقته فالبعض يظل متمسكاً بالقيم والأصول التي تربينا عليها جميعاً والبعض الآخر يختصر الطريق ويسعي للمكسب السريع علي أنقاض تلك القيم والمباديء.
وبالتأكيد أيضاً أن البحث عن الشهرة والمكسب السريع أصبح غاية فئة كبيرة من المجتمع وخصوصاً عند متابعتهم لبعض المشهورين ومتابعة حياتهم قبل وبعد الشهرة ، ومتابعة أسباب تلك الشهرة التي جاءت من لا شيء إما عن طريق دراما هابطة أو أغاني مزعجة وتحتوي علي كلمات بذيئة ولكنها تحولت إلي ترند فكسب صاحبها وفريق عمله من ورائها الكثير.
وبعد طول إنتظار ، فاجئنا الفنان القدير هاني شاكر بقرار لمنع ما يسمي بأغاني المهرجانات بعد حفلة رسمية ظهر فيها إثنين من مطربي المهرجانات في حضور الآلاف من العائلات المصرية في ستاد القاهرة وصُدِمَ الجميع بمحتوي بعض تلك الأغنيات من كلمات تَعجّبنا كثيراً من عدم الرقابة عليها من المصنفات الفنية والتدقيق فيها لمراعاة ما يتناسب منها لعرضه علي جموع من الشعب المصري وخصوصاً أنها تحتوي علي كلمات يُجَرمها الشرع والقانون كالخمور والحشيش.
ثم تعالت الأصوات بين مؤيد ومعارض لذلك القرار ، يصاحبها بعض التحديات من بعض مطربيها الذين ضربوا بقرار الفنان هاني شاكر عرض الحائط وأعلن بعضهم علي أغانيه الجديدة بعمل برومو لها أو بتحميل بعضها علي اليوتيوب في تحدي سافر لقرار نقيب الموسيقيين ، مما أثار غضب البعض علي تلك الجرأة العجيبة التي لم نعهدها من قبل.
الأكثر غرابة هو ما قام به بعض الإعلاميين من لقاءات مع بعض المغنيين الممنوعين بقرار من السيد النقيب الفنان هاني شاكر في محاولات منهم لاستدرار عطف المشاهد للوقوف معهم ضد قرار النقابة كما حدث في لقاء حسن شاكوش الأخير الذي ظهر بصورة درامية مُصاحَب بردود فعل يشوبها الشفقة من مقدمة البرنامج وهو يروي قصة الشاي بلبن بالقسماط وفِي عينيه نظرة حزن شديدة من معاناته قبل شهرته ودليله علي ذلك أنه من شدة المعاناة كان يتناول أحياناً في عشائه شاي بلبن بالقسماط.
هل أصبح تناول الشاي بلبن بالقسماط علي العشاء مبرر قوي لانتهاك الآداب العامة والقيم المجتمعية؟ من الواضح أن حسن شاكوش لا يعرف أن تعداد الفقراء المكافحين في مصر ربما قد يزيد عن الأربعين مليون مكافح وكل منه لديه حلم وبعضهم لم يحظي بنعمة الشاي باللبن بالقسماط مع ارتفاع أسعار اللبن وغلاء المعيشة، بل الأشد إيلاماً أن بعضهم ينام بلا عشاء ويتحمل المعاناة اليومية في سبيل كسب لقمة عيش تصحبها البركة الإلهية لاتباعهم تعاليم الأديان ويكسوها نعمة الرضا بالمقسوم علي أمل أن يتحقق حلم كل منهم يوما ما.
بالتأكيد أن لشاكوش وغيره الحق في تحقيق حلمه ، ولكن ليس علي حساب الذوق العام للمجتمع، ولكن عليهم جميعاً اتباع الخطوات السليمة والبحث عن الكلمات اللائقة التي تتوافق مع جموع الشعب ويراعي فيها الذوق العام الذي يساعد علي النهوض بالمجتمع وليس الإضرار به.
من أراد الشهرة فعليه بتقديم ما يفيد ولا يضر وليتذكر الجميع حديث رسولنا الكريم حيث قال من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا أخرجه مسلم في صحيحه.
لست ضد أشخاص بعينهم ولكني ضد كل ما يضر المجتمع من فكر هدام يدعو إلي العنف والفجور وضد تنجيم البلطجة أو استخدام كلمات تتعارض مع تعاليم الأديان وتساعد علي انتشار الجرأة المكروهة والاستهانة بالتقاليد والأصول، وأخيراً اذكركم واذكر نفسي أننا يوما ما سنعود إلي رب العباد فعلينا جميعاً أن نتذكر صعوبة هذا اللقاء الجلل ولنتذكر قوله تعالي (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ).