مقالات

أحمد أبو خليل يكتب: حوار بين العقل والكلمات

خط أحمر

في كل مرة أشرع فيها بالكتابة تبدأ الكلمات تنساب من عقلي متحمسة لتكون جملا مفيدة وبسيطة في محاولة منها أن تصل بسهولة ويسر لعقل القارئ في نفس الوقت التي تود فيه أن تلفت نظر أحد المسؤليين لإحدي المشكلات في موقع مسؤليته ظنا منها أن المسؤول سيقرأ جملها ،وبعد بضع جمل يوقفها ذلك السؤال اللعين الذي يطل دائما من عقلي ليتساءل.

لماذا ولمن أكتب؟ وهنا يبدأ الصراع الذي يتكرر دوما فتلوم الكلمات العقل الذي أوقفها عن تكوين جملها فيطالبها العقل بالرد علي سؤاله بدلا من لومه فتذكره بأنها خلقت حرة وأنه فقط مؤتمن عليها من خالقهما  وليس من حقه تركها داخله تصارع الموت ثم تذكره متساءلة .. اليس القلم الذي خلق من أجلي هو أول ما خلقه الله بعد العرش وأقسم به في قوله تعالي "ن والقلم وما يسطرون" ؟ اليس هذا كافيا لتعرف قيمتي وتتركني أسعي بين السطور وأحلق لأصل إلي حيث تريد ؟

فيجيبها العقل بالطبع أعرف قيمتك لكن يبدو أنكِ فقدتي قيمتك وسط أخواتك من الكلمات التي استطاعت تكوين جملا تنافق بها هذا وتداهن بها ذاك فتمهد لأصحابها الطريق لاعتلاء مناصب لا يستحقونها بل ويورثوا تلك المناصب لتلاميذهم النجباء الضالعون في صناعة جملا غير مفيدة يعينون بها الظالم علي ظلمه ويأصلون للفساد .

الم تري أيتها الكلمات القيمة صاحبة المقام الرفيع كيف تناثر أمثالك بعد أن ملئوا الدنيا ضجيج وصراخ ضد الفاسدين؟ الم يمنع أقرانك من النشر مرات عدة تحت حجج بلهاء؟ وقبل أن يكمل العقل هجومه تذكره الكلمات بأنها أمانة لديه وأنه مطلق الحرية في الحفاظ عليها أو تركها تتأرجح بين عقول من لا يرحموا  فيجعلوها  تمارس الدعارة الفكرية.

يصمت العقل فتعتقد الكلمات أنها انتصرت وتنتظر الأفكار التي يمدها بها لكنه يظل صامتا عاجزا فهو إن عرف لماذا يكتب ما زال لا يعرف لمن يكتب فمن يكتب لهم لا يقرأون وإن قرأوا لا يعون فهم لا يعوا إلا كلمات المدح الكاذبة التي خانتها عقول أصحابها واغتصبوها ثم جعلوا  منها عاهرة تتمايل وترقص وتمارس الرذيلة علي فراش من يدفع لها دون تميز وكلما رأت الإعجاب برقصها في أعين السكاري إزدادة رقصا وابتكرت رقصات جديدة صاخبة تمنع بها الكلمات الحرة من إفاقة هؤلاء السكاري ليعودوا إلي رشدهم .

فيقرر العقل حبس الكلمات.. لكنها تحاول وتصارع رافضة الاستسلام  وأظل أنا حائر بينهما لا أدري هل ستنجح الكلمات الحرة في محاولاتها لإفاقة هؤلاء السكاري أم أنهم لايريدون أن يفيقوا؟

أحمد أبو خليل حوار بين العقل والكلمات خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة