نيفين منصور تكتب: كلمة حق.. لماذا محمد رمضان؟


تعالت الأصوات في الأسابيع القليلة الماضية بدعوات متتالية لمقاطعة الفنان محمد رمضان ، وتعاطف البعض مع الطيار الموقوف عن الطيران مدي الحياة بسبب الفيديو كليب الذي نشره محمد رمضان علي مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأغنيته الجديدة التي تغني بها في حفل في مدينة الرياض وقد ظهر في الفيديو كليب في كابينة الطائرة التي قادها الطيار الموقوف الكابتن أشرف أبو اليسر لنقل محمد رمضان ومن معه إلي مدينة الرياض أكتوبر الماضي.
ربما ازداد رفض البعض لمحمد رمضان بسبب موقفه من الطيار الموقوف، وربما لردود أفعاله التي يراها البعض مستفزة من صور أو فيديوهات لها تلميحات معينة يوصل بها بعض الرسائل الخاصة للناس تعليقاً علي الأحداث المتلاحقة وموجات الغضب التي أصيب بها بصورة ممنهجة وقوية .
وربما ما قام به الطيار الموقوف منذ فترة قصيرة والذي تفاجأنا به جميعاً عندما قرر أن يخرج عن صمته ويتحدث للناس لأول مرة بعد قرار وقفه من خلال فيديو كليب تم نشره علي أحد مواقع الفن، وسرعان ما انتشرت فيديوهات متتالية له ولابنه وأحاديث صحفية ولقاءات تلفزيونية ومداخلات مع جميع البرامج الحوارية تقريباً وأصبحت قصته مع محمد رمضان حديث الساعة حتي تجمع الآلاف علي رفض محمد رمضان رفضاً قاطعاً وهددوا بمقاطعة حفلاته وتمثيلياته وأفلامه بل وصل الأمر إلي مقاطعة المعلنين المزمع تعاقدهم مع الشركة المنتجة لمسلسل محمد رمضان القادم والمنتظر عرضه في شهر رمضان القادم.
وإحقاقاً للحق أري ما حدث غير منصف، فرمضان كغيره من الممثلين يقدمون الأعمال الفنية التي تعرض عليهم ، ولَم نسمع من قبل عنه أنه مؤلف محترف أو مخرج لأحد الأعمال الفنية التي نرفض بعضها والذي يجسد فيه أدوار لا نقبلها شكلا وموضوعاً ، محمد رمضان مجرد ممثل كغيره ممن يمتهنون مهنة التمثيل ، يؤدي الدور وفقاً لرؤية المؤلف والمخرج ، ولا يخلق أدواره إنما تعرض عليه كغيره ، ويتحكم في هذا العمل المنتج أولا ثم المؤلف والمخرج وما رمضان إلا نتاج لرؤية هؤلاء الفنية ، فلماذا نحاسبه وحده دون باقي طاقم العمل؟ لماذا تعالت الأصوات للقضاء عليه فنياً دون سواه؟ هل رمضان هو الوحيد الذي يقدم أدوار تمثل البلطجي؟ أو تتحدث عما يحدث في طرقات وحارات العشوائيات ؟
ألم يتصدر المشهد من قبل المخرج خالد يوسف وقدم لنا بعض الأفلام التي لا أراها مختلفة عما يقدمه رمضان كفيلم "حين ميسرة" علي سبيل المثال؟ وقدم من قبل الفنان أحمد السقا والفنان محمود عبد العزيز فيلم إبراهيم الأبيض ؟ وقدم الفنان أحمد السقا والفنان خالد النبوي فيلم الديلر ؟ وغيرها الكثير من الأفلام التي تعرض حالات للبلطجة والإجرام ولَم نجد مغزي من تقديمها؟ فلماذا مقاطعة محمد رمضان تحديداً لشخصه في صورة مقاطعة أعماله التي تعرض عليه من منتج ومؤلف ومخرج يضعونه في تلك الصورة ويحدونه أوقات كثيرة في أعمال لا هدف منها ولا رسالة؟
ألم يقدم فيلم الكنز علي سبيل المثال مع مجموعة كبيرة من الفنانين ولَم يظهر في صورة البلطجي المرفوض مجتمعياً منا جميعاً؟ أري أن مقاطعته لم تكن قائمة علي رفض أعماله إنما هي نتاج طبيعي لرفض أسلوبه في الحياة وفيديوهاته التي استفز بها البعض ، وأغانيه التي تتمحور حول كلمات توحي بالاستعلاء علي من حوله تحت بعض المسميات كالأسطورة ونمبر وان وانا مش بتفتش في المطار .
المتخصصون يعلمون أن الفنان ليس فرداً إنما هو نتاج طاقم عمل كامل ، يتألف من منتج ومخرج ومؤلف وملحن وغيرهم، وهذا ينطبق علي الأعمال الغنائية والدرامية ، فالجميع يتحملون المسئولية ولا يتحملها وحده حتي تتعالي صيحات مقاطعته وحده، وطالما أنه قد قدم بعض الأعمال بشكل معتدل لائق لا إسفاف فيه ولا بلطجة لماذا محاولات القضاء عليه نهائياً دون سواه أليس من العدل إذا تحدثنا عن القيم المجتمعية التي نحاول الحفاظ عليها أن نقاطع كل مؤلف لا يكتب عمل مفيد ويُصدر إلينا فقط المظاهر السلبية دون حلول أو اقتراحات لحلها؟
المتخصصون يعلمون أيضاً أن المخرج يستطيع بأسلوبه في الإخراج أن يجعلك تتعاطف مع مجرم أو تنفر منه فهو المتحكم الرئيسي في آداء الممثل، وهو المسئول الأول عن الصورة التي تصل للمشاهد بكل تفاصيلها وذلك بالتنسيق مع المؤلف وكاتب السيناريو والحوار ، والممثل يظهر في النهاية كما أراد هؤلاء ، ولا يتحكم في المشهد ولا في الحوار الذي يقوله والمكتوب مسبقاً علي يد كاتب الحوار .
بالطبع اتفق مع جميع أصحاب تلك الدعوات بأننا جميعا نرفض عبده موته وغيره أن يسيطروا علي عقول أولادنا ويقلده بعضهم ولكن هل محمد رمضان هو مؤلف تلك الشخصيات المرفوضة مجتمعياً؟ اتذكر فيلم قديم لعملاق الفن الفنان الراقي المحترم يوسف بك وهبي والفنانة الراحلة مديحة يسري ، فيلم أولاد الشوارع الذي عرض حياة فتيات وصبيان في عمر الزهور وقد أجبرتهم الحياة علي أن يعيشوا في حالة من الضياع والانهيار الاخلاقي والعنف، ولكنه عرض تلك الحالة وقدم الحل ولَم يتعمد عرض حياة مجرمين أو بعض قطاع الطرق دون هدف وبلا رسالة كما يفعل بعض المؤلفين في عصرنا هذا، فقد قدم البعض حياة المجرمين وقطاع الطرق بشكل جذاب مُلفت حتي يحبه بعض المشاهدين أو يتحول إلي مثل أعلي لبعض الأولاد في فئات عمرية مختلفة ممن يعشقون التظاهر بالقوة وعدم احترام القانون.
الفرق شاسع ولا وجه للمقارنة بين عرض حياة الإجرام بهدف عرض حلول للقضاء عليها مع تقديم الحكمة من وراء هذا العرض وبين الاستعراض بالإجرام والبلطجة وجذب المشاهد لتقليد تلك الشخصيات، في حقيقة الأمر محمد رمضان يؤدي تلك الأدوار ولكن يتحكم في ذلك مؤلف لم يكتب بهدف تقديم رسالة وإنما لجذب المشاهد لنموذج غير مقبول للأغلبية، ومخرج أوحي لبعض الفئات العمرية بأن البلطجة نوع من أنواع النجومية، ومنتج كل ما يشغله إيرادات الإعلانات أو ايرادات شباك التذاكر، فمن يبحث عن القيم ويحاول الحفاظ عليها عليه بمقاطعة كل من يسعي لتدمير العقول أياً كان دوره و يفرض علي كل ممثل أن يختار دوره بعناية ويبتعد عن كل إسفاف ، ولا يتحول الأمر لعداء لشخص دون سواه.
أعلم أن الحوار الذي ظهر فيه رمضان علي التلفزيون المصري قد استفز الكثيرين، وهاج البعض بعد إذاعته، وتناولته مواقع التواصل الاجتماعي بسخط من البعض ، ونشرته المواقع الإخبارية، واعتبره البعض أنه نوع من التعالي ، والبعض الآخر لم يتعاطف معه علي عكس ما كان من المفروض أو من المنتظر أن يحدث ، ربما محمد رمضان لا يحسّن اختيار الكلمات ولكن هل هو الفنان الوحيد الذي استفز جمهوره؟ ألم يحدث من قبل أن رفض البعض بعض التصرفات لفنانين آخرين كما حدث عندما غضب البعض من ردة فعل العسيلي في إحدي الحفلات ولَم نجد حملات تدعو لمقاطعته بهذا الشكل؟ ألم يُستَفز البعض من بعض المواقف للفنانة شيرين ولَم تظهر تلك الدعوات بهذه القوة لمقاطعتها؟وغيرهم وغيرهم علي مر السنين؟
أنا لا أدافع عن محمد رمضان فهو استفز بالفعل العديد من الناس، ولكن أري أن من يبحث عن القيم الأخلاقية يجب أن يتحدث في العموم، ولا يحاول جاهداً لمقاطعة فرد بعينه ، لأنه لا يتحمل المسئولية وحده إنما المسئولية تقع علي الجميع، و من ينتهجون نهجه كثيرون، ربما ما زاد موجات الغضب عليه شعور البعض بالتعاطف مع الطيار الموقوف، علي الرغم من أن محمد رمضان ليس الفنان الوحيد الذي ظهر في كابينة إحدي الطائرات ، فهذا المشهد تكرر مع آخرين، الفرق الوحيد هو الجدل الواقع حول شخصية محمد رمضان مما أثار غضب البعض واستنفر البعض الآخر ظهوره وازدادت التساؤلات حتي وصلت إلي مجلس النواب ودفع الطيار ثمن تلك الانتقادات وفقد عمله.
وفيما يخص هذا الموقف ، بالتأكيد أنا ضد قرار الإيقاف مدي الحياة فالطيار بالطبع قد اخطأ ،ولكن العقوبة لا تتناسب مع الخطأ الذي ارتكبه، ولا اتفق معه إطلاقاً في ردة فعله ، بل علي العكس تماماً اتفق مع بعض ما قاله محمد رمضان بخصوص هذا الأمر، فهو بالفعل لا يستطيع دخول الكابينة ولا التصوير بداخلها دون استئذان، وبالفعل الطيار قد سمح له وأؤكد أن هذا الأمر خطأ مهني غير مقصود من كابتن أشرف أبو اليسر، تحت بند المجاملة لفنان مشهور وداخل كابينة طائرة خاصة أُجِرَت بالفعل لنقل محمد رمضان وطاقمه فقط دون سواهم بهدف توصيلهم إلي مدينة الرياض .
وأؤكد أيضاً خطأ الفنان محمد رمضان بنشره للفيديو علي شكل فيديو كليب لترويج أغنيته الجديدة التي تتناسب كلماتها مع ما تم تصويره داخل الكابينة والتي قدمها في حفل الرياض، ولا أوافق نهائياً علي كلمات الأغنية التي تعد بمثابة تحدي لبعض القوانين التي نحترمها جميعاً فلا يجوز أن يتغني أحد بكلمات مماثلة تدعو إلي عدم احترام القانون فكلنا نخضع للتفتيش في المطار احتراما للقانون، ولكن هل تم تصويره رغماً عن قائد الطائرة؟
ربما لم يكن علي علم بأن هذا الفيديو سوف يتحول إلي فيديو كليب يستفز البعض وسوف يفقده عمله وتاريخه، ولكن ما معني السكوت لفترة طويلة بعد صدور قرار الإيقاف عن العمل دون اللجوء للطعن علي قرار الإيقاف بالطرق الشرعية، أو حتي اللجوء إلي القضاء في حينه وتفويض العدالة القضائية لرفع الظلم عنه إما بإعادته إلي عمله أو بمقاضاة محمد رمضان في حينه إذا كان بالفعل بث هذا الفيديو دون علم من قائد الطائرة أو دون موافقته.
ما معني أن يذهب قائد الطائرة إلي مكتب محمد رمضان لمحاولة مقابلته أو انتظار جبر الخواطر كما ذكر في أحاديثه الصحفية والتلفزيونية التي انتشرت كالنار في الهشيم، هل ظل يحاول الوصول إليه لمدة ما يقرب من أربعة أشهر لمجرد انتظار جبر الخواطر؟ الطريقة التي تناول بها قائد الطائرة الموضوع لا تتوافق مع القواعد والقوانين التي تعودنا عليها جميعا، فكل منا قد يخطيء في عمله ، فليس منا من هو معصوم عن الخطأ ولكن تعلمنا جميعا أن من حق كل مواطن يبحث عن تاريخه أن يتظلم بالطرق الشرعية ويسعي لتحسين صورته بشكل يتناسب مع تاريخه، ولَم نتعود أن تُحَل الأمور بمثل تلك الطرق .
وانتشرت الأقاويل بين الطرفين أحدهما يقول أن الآخر قد طالبه بتعويض كبير قيمته ما يقرب من تسعة ونصف مليون جنيه، والآخر يكذب هذا القول ، ثم ينتقل الأمر ليقاضي الطيار الموقوف محمد رمضان مطالباً بتعويض يصل إلي خمسة وعشرين مليون جنيه لما أصابه من أضرار نفسية ومادية من عرض محمد رمضان للفيديو الذي تم تصويره داخل قمرة الطائرة.
وتضاربت الأحاديث ، ولَم نعد نعلم الحقيقة، هل حقاً طلب كابتن الطائرة تعويض مباشرة من محمد رمضان وهدد بفضحه ومهاجمته علي السوشيال ميديا إذا لم يدفع تلك القيمة أم لا؟ ولماذا لم يقدم الطيار تظلم رسمي لإعادته إلي عمله ولجأ إلي السوشيال ميديا وما الهدف من ذلك؟ وما معني جبر الخواطر الذي تحدث عنه والذي انتظره لفترة طويلة من محمد رمضان طوال الفترة الماضية؟
وفوجئنا ببعض المبالغات علي لسان الطيار في قيمة المرتب المتوقع له خلال الثلاث سنوات القادمة إذا لم يفقد عمله والذي يقدر بالملايين كما ذكرت بعض المواقع علي عكس الحقيقة، فكل من له علاقة بالطيران يعلم أن أجور الطيارين في مصر لا تصل إلي تلك الأرقام المبالغ فيها، وربما يكون هذا الأمر ما أراد محمد رمضان شرحه فخانه التعبير ، فحديثه واضح أنه لم يرفض أن يعوض الطيار الموقوف عن العمل ولكنه شعر بالمبالغة ، وربما ما ذكره عن استعداده لدفع الراتب الموقوف للطيار حتي يتم حسم القضية في القضاء حقيقة ، لا أحد يستطيع أن يدخل في النوايا.
خلاصة الأمر أن تصدر هذا المشهد علي الساحة الإعلامية بأكمله أمر خاطيء وغير مقبول لأن الطريقة التي تمت بها تلك المحادثات ورغبة جبر الخواطر لا تتوافق مع قدر ومكانة قائد طائرة ومعلم سابق للطيران، ما تعلمناه جميعاً أن من يبحث عن الحق لابد وأن يسلك السبل الشرعية، وليس تصدر المشهد علي مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات ،ولَم أتقبل أيضاً أن أري رجل مقاتل ومعلم طيران ينتظر جبر الخواطر ،، الأولي به أن يسعي جاهدا بطريقة شرعية لتصحيح الوضع ويترك الحكم للقضاء وليس لتعاطف البعض علي مواقع التواصل الاجتماعي، ويعرض طفل صغير لمثل هذا الضغط النفسي بأن يتحدث أمام الملايين من المصريين عن واقعة حدثت بالخطأ ولَم تُصَحح بالقانون.
وبالتالي اجتمعت الأصوات علي ذبح محمد رمضان والقضاء عليه وحده دون سواه تعاطفاً مع قائد الطائرة الذي اخطأ دون قصد ولَم يخسر عمله بسبب محمد رمضان ، إنما خسر عمله لأنه أخطأ دون عمد، ولَم يقدر الجدل واختلاف الناس حول شخصية محمد رمضان فخسر عمله علي الرغم من أن الموقف قد تكرر مع آخرين ولَم نسمع عن إيقاف أحد الطيارين من قبل.
الشخص الوحيد الذي تعاطفت معه بالفعل في تلك الواقعة هو مساعد الطيار الذي تم ايقافه عام كامل عن الطيران دون أن يذنب، وتحمل في صمت هذا الجزاء ولَم يحدث أي ضجة، ولَم يستعطف أحداً ولكن رغم أنه بالفعل ووفقاً للقانون المنظم للطيران لا تقع أي مسئولية قانونية عليه، لأنه لم يشترك في الواقعة ولَم يسمح لمحمد رمضان أن يجلس مكانه، ولَم يسمح له بالتصوير، إنما حظه السيء جعله يذهب إلي دورة المياه وكأن القدر كان يخبيء له ابتلاء صعب ليختبر قوة تحمله ويضعه في موقف المظلوم الذي تحمل الضغوط النفسية والمادية بفقدانه لعمله في صمت وسلك السبل الشرعية للطعن، ولَم يحدث ضجة رغم أنه قد ظلم في كل هذا الأمر.
كلمة حق أردت أن أقولها ، من أراد الحفاظ علي القيم فليترفع عن كل إسفاف ولا يحارب أشخاصاً بأعينهم دون سواهم، ويجب أن يعيد الجميع النظر في الخلاف الواقع بين قائد الطائرة ومحمد رمضان، فلنحترم سبل التظلم القانونية الحقيقية ولنترك للقضاء الكلمة ،ولا داعي لذبح محمد رمضان تحت تأثير التعاطف ، فالقضاء هو الجهة الوحيدة التي تملك تحديد من الظالم ومن المظلوم في هذا الخلاف الجدلي الذي تصدر المشهد بشكل مبالغ فيه ، ولَم يسلك سبله الشرعية منذ البداية.