المهندس السيد طوبا يكتب: خفة الدم


لا شك أن المصريين يمتازون بروح الفكاهة وخفة الدم والتعليقات الساخرة وتأليف النكات كرد فعل والسخرية من حالات الإحباط المعنوى التى تواجههم أو كتعبير عن رفضهم لأوضاع ما أو متنفسا عن ضغوط العمل والحياة أو لإبداء الرأى فى قضية سياسية يخشون الافصاح فيها عن رأيهم خوفا من بطش الحكام على مر العصور وظهر ذلك على جدران المعابد منذ نشأة الحضارة المصرية القديمة بل وذهب بعض المؤرخين إلى وجود آلهة للضحك منقوشة على جدران المعابد واستمرت تلك الثقافة لدى المصريين عبر العصور واستخدموها للسخرية من الغزاة المحتلين وبطش الحكام حتى أن نابوليون أصدر أوامره بقتل كل من يلقى النكات ويسخر من الفرنسيين وهو ما يدل على شدة سلاح النكتة وتأثيرها على الغزاة.
وفى عصرنا الحديث اشتهر العديد من ملقى النكات وغلفوها بغطاء من الاغانى الخفيفة أطلق عليها المونولوج كما برع رسامى الكاريكاتير فى السخرية من الحكومات ومن أشهرهم فى العصر الحديث البهجورى وثنائى أحمد رجب ومصطفى حسين الذان برعا فى تشريح عيوب المجتمع والانتقاد السياسى والاقتصادى والاجتماعى بأسلوب خفيف الظل عشقه المصريون وأصبحوا يترقبونه كل صباح مع نصف كلمة للراحل أحمد رجب.
وكلما ازدادت النكات كلما دلل علماء الاجتماع على صحة الشعب المصرى وعلى النقيض إذا ما اختفت فيرجعونه لمصاب جلل وأزمة حادة تلم بالشعب المصرى ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعى ظهرت صفحات متخصصة للنكات والتعليقات الساخرة مثل الكومنت الفشيخ والكومنت الساخر وغيرها وتتناول جميعها مواقف كوميدية وتعليقات ساخرة ويمكن ملاحظة ذلك فى الأحداث الأخيرة مثل السخرية من تأخير إعلان عيد الفطر وصيام يوم إضافى والخروج من كأس أفريقيا وفرض رسوم على استخدام الشواطئ وفرض ضرائب على زيادة وزن المواطن وربما يتميز الشعب المصرى ليس بسخريته من الحكومة فحسب ولكن سخريته أيضا من نفسه ومن أهالى أقاليم بعينها فمنهم ماهو مشهور بالكرم أو البخل أو الخبث أو السذاجة ولكن تلك المواقع الإلكترونية تفتقد لعامل هام فى الضحكة ألا وهو فن القاء النكتة فيمكن جدا إفساد الضحك على نكتة قوية بالفشل فى القائها ويتميز الكثيرون بحفظ عدد هائل من النكات وفن القائها وهو ما يعطى تجمع الاصدقاء أو الأهل متعة وبهجة.
عموما تعتبر النكتة والفكاهة والسخرية من كل شيء من أهم صفات وموروثات الشعب المصرى ولن تستطيع أى حكومة بكافة أجهزتها منعها أو الحد منها لانها تسرى فى دماء الشعب ودائما أتذكر موقفا طريفا حدث لى أثناء دراستى بالولايات المتحدة حيث أوقعنى حظى العاثر فى أحد الكورسات فى مجموعة من طالب يابانى وآخر كورى وأنا وبحكم الروح المصرية فكلما القيت دعابة إلا ووجدت وجوها متجمدة لا تنبئ بأى مشاعر ضحك أو غضب أو بهجة لدرجة أن زميلى اليابانى قابلنى مرة وأنا أرتدى حذاء مخصوصا للسير على الجليد وسألنى من أين اشتريته فقلت له مازحا أننى قدمت طلبا لرئيس القسم فمنحنى اياه بدون مقابل فما كان منه الا أن صدق ما قلت وتقدم فعلا بطلب لرئيس القسم لمنحه الحذاء المخصص للجليد فهناك شعوبا لا تعرف المزاح ولا تستمتع بالنكتة كما نفعل نحن المصريون..اضحك تضحك لك الدنيا.