محمد ماهر يكتب.. إنتحار جماعي .. !


حسب القراءات المختلفه في المواقع الإخبارية و مواقع التواصل الإجتماعي فقد شهدت مصر خلال اليومين الماضيين ثلاث حوادث إنتحار لشباب في مقتبل حياتهم كانت حادثة طالب الهندسة الذي ألقى بنفسه من أعلى برج القاهره هي الأكثر تداولا و تعليقا بين متعاطف و مستنكر و مندهش .. وبدون أي تفاصيل نشرت بعض المواقع الإخباريه مجرد خبر قصير يصف ما شهدناه جميعا في الفيديو المنتشر لإلقاء الشاب بنفسه من أعلى البرج مقررا إنهاء حياته بصوره مأسويه إعتلت قمة الأحداث لهذا الأسبوع .
و بعيدا عن ما سيلاقيه الشاب المنتحر في صحيفة حسابه و الحكم الإلهي الذي سيناله بالعدل الرباني الكامل .. و بعيدا عن تعاطف من رأى أنه كان يعاني إكتئابا حادا دفعه للإقدام على التخلص من حياته .. و بعيدا ايضا عن البحث في الأسباب التي وصلت به للدرجه التي هانت عليه ليس فقط حياته بل حياة والديه و إخوته و أصدقاؤه و من حوله من كانوا يحبونه و يمثل في حياتهم شيئا و لو ضئيلا فبالتأكيد لقد حدث شرخا و كسرا في نفوس كل هؤلاء .. فإن تناول الحادث و الحادثين الأخرين و غيرها من الحوادث المشايهه التي لم يعلن عنها كان منقوصا بشكل كبير و غامضا و خالي تقريبا من تفاصيل عديده يحرص القارئ دوما على معرفتها .. كما أن الحادث بعد إنتشار الفيديو الخاص به عاد ليندثر و يمسح من معظم المواقع بحجة الحرص على عدم إنتشاره و خوفا من تقليده مرات أخرى و من شباب اخر .. و هنا يكمن الخطر الأكبر .. فمجرد الإعتراف بأن الحادث قد يتكرر يؤكد أن هناك خللا ما في أهم عناصر بناء الأجيال القادمه و هي فقدان الإيمان أولا .. و أن هناك تأثيرات محيطه بنا جميعا قد تدفع إلى اليأس و الإحباط ثم إلى الإكتئاب فالموت إنتحارا .
فقدان الإيمان هو ضعف شديد في العقيده أي كانت تلك العقيده فلقد حرمت الأديان السماويه جميعا قتل النفس .. بل دعت كل الأديان لإحياء النفس و تكريمها .. و هذا ما نود توضيحه و التاكيد عليه في خطابنا الديني في المعبد و الدير و الجامع .. بل أيضا في المدرسة و الجامعه و المنابر الإعلاميه أيضا .. و التي وجب و لزم عليها تغيير فكرها نحو البرنامج الديني و شيوخ الفتاوى المثيره للجدل و التي لا تؤثر إلا على فئات معينه تجري خلف من يحرم اويحلل لها و يبيح لها الأمور المشتبه فيها .. دون التركيز على الأساسيات التي يجب أن يبنى عليها الدين و هي أولا الإيمان بالغيبيات .. فلم يرى منا أحد الخالق عز و علا إنما نؤمن بوجوده و بوعوده و نصدقها نؤمن بالجنة و النار و ميزان العمل و الرحمه .. لم يرى أحد منا عذاب القبر و لا نعيمه و لا يستطيع أحد أن يصف ما يحدث به .. لكن نؤمن به و بوجوده .. نعلم جميعا أن الإيمان بالغيبيات هو المانع الأكبر و الأعظم للبشر عن إرتكاب المعاصي و الكبائر .
الخطاب الديني ليس فقط في خطب الجمعه و الوعظ في الكنائس .. الخطاب الديني يجب أن يشمل المعاملات الإنسانيه و العلاقات الإجتماعيه .. يجب أن يظهر في مراعاة الدولة في برامجها الإصلاحيه الأبعاد الإجتماعيه و التاثيرات السلبيه التي قد تصل بمن ضعف إيمانه أن يتخلص من حياته و أن تهون عليه نفسه و يهون عليه من حوله .. أعتقد أنه قد أن الأوان أن تصبح مادة الدين في المدارس مادة ضمن مواد الرسوب و النجاح و أن تعود حصص الدين لمكانتها الطبيعيه .. ليس الدين فقط بل يجب تدريس الإنتماء .. نعم الإنتماء ليس فقط للدوله .. بمعنى أن يكون دائما إنتماءا لشيئ ما .. حلم أو هدف .. أسره أو أصدقاء .. أو حتى إنتماء رياضي معتدل .. يجب أن نعلم الأجيال القادمه الصلابه و القدره على التحمل و قبول النتائج بحلوها و مرها .. فلا يمكن أن تواجه تلك الأجيال صعاب الحياة بالإنسحاب و إستسهال التخلص من الحياة لأن التجارب الحياتيه لا تكون ناجحه إلا إذا تعرضت لفشل أو إخفاق يعطي دافعا للنجاح .. فإن لم ننتبه للأجيال القادمه و نزرع بداخلها الإيمان والإنتماء و القدرة على مواجهة صعاب الحياة .. فبالتاكيد سنواجه حتما حالات إنتحار جماعي في المستقبل القريب .