مقالات

الدكتور محمود حامد الحصري يكتب: الحجو والحبو والسوحت والملانة أشهر أكلات الفراعنة في شم النسيم

خط أحمر

عرف المصريون القدماء أعياد الربيع واحتفلوا بها. ومن المحتمل أن يكون عيد "شمو" الذي كان يحتفل به في بداية فصل الربيع، هو نفس العيد الذي تطور لاحقاً إلى ما نعرفه اليوم باسم "شم النسيم" وللأسف لا يوجد ما يؤكد ذلك صراحةً.

ولكن نقوش ورسومات المقابر والمعابد المصرية القديمة تصور مظاهر احتفال تشبه إلى حد كبير احتفالات شم النسيم الحديثة، مثل الخروج إلى الحدائق والمتنزهات، وتناول بعض الأطعمة المرتبطة بالعيد.

كما ذكر بعض المؤرخين والكتاب القدماء، مثل بلوتارخس في القرن الأول الميلادي، أن المصريين القدماء كانوا يحتفلون بعيد في الربيع وكانوا يقدمون فيه الأسماك المملحة والخس والبصل لآلهتهم. وهناك بعض الآراء التي ترجح أن تكون كلمة "شم النسيم" هي تحريف لكلمة "شمو" في اللغة المصرية القديمة، والتي كانت تعني فصل الحصاد أو بداية الخلق وتجدد الحياة.

ومع ذلك فإن استمرار الاحتفال بشم النسيم في مصر حتى يومنا هذا، بنفس الطقوس والعادات تقريباً، يعتبر دليلاً قوياً على جذوره العميقة في الحضارة المصرية القديمة. فالمصريون يتوارثون هذه التقاليد منذ آلاف السنين. كما ان عيد الربيع كان مرتبطاً بالخلفية الزراعية للمصريين القدماء وبداية موسم النمو وتجدد الطبيعة.

"شم النسيم" الاحتفال الذي جمع المصريين بمختلف عقائدهم الدينية:

ينتهي فصل الشتاء ببرده القارص، وأمطاره الغزيرة، وعواصفه الكثيرة، ويأتي فصل الربيع ببهائه، ويشرق علينا جماله، ونرى السماء قد بدأت صفحتها زرقاء صافية، والشمس أرسلت على الأرض أشعتها الذهبية، لا يحجبها غيم، ولا يعترض طريقها سحاب أو ضباب، وترى الجو وقد خف برده، وذهبت أمطاره، واعتدل هواؤه، وفرح الناس، وعلت البسمة وجوههم، ودب النشاط فيهم، وخرجوا إلى أعمالهم في مرح وابتهاج، واخضرّت أوراق الشجر، وتفتحت الأزهار، ونرى الأرض اتخذت زينتها، واخضرّ وجهها، ونضجت بعض غلاتها، فهب الفلاحون لجمعها وحصادها.

ولهذا فقد اعتاد المصريون الاحتفال بعيد الربيع الذي يعد هدية مصر مهد الحضارات ومهبط الأديان إلى مختلف شعوب العالم القديم والحديث، حيث ترجع جذور كل ما يرتبط بالاحتفال بشم النسيم من عادات وتقاليد اجتماعية أو طقوس وعقائد إلى أعماق تاريخ مصر، ويحتفل المصريين بعيد شم النسيم يوم الاثنين التالي مباشرة ليوم الأحد الموافق عيد القيامة المجيد طبقا لتقويم الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية وذلك في شهر "برمودة" من كل عام.

الفرعون والوزراء وكبار رجال الدولة كانوا يشتركون في أعياد الربيع:

في مصر القديمة كان يشترك الفرعون والوزراء وكبار رجال الدولة في عيد الربيع، فهو العيد الذي تبعث فيه الحياة فتزدهر النباتات وتقوي الحيوانات، فهو بمثابة "الخلق الجديد" للطبيعة. فكان المصريون القدماء يسعدون لحلوله حيث يخرجون كطوائف وجماعات إلي الحدائق والحقول وهم في بهجة وسرور، وقد اعتادوا علي أخذ طعامهم وشرابهم معهم، ومن أحب الطعام إليهم في هذا اليوم (السمك المملح والبصل والخص ولحم الإوز والبط المشوي والبيض).

الحجو والحبو والسوحت والملانة أشهر أكلات الفراعنة في شم النسيم:

حرص المصري القديم على أن تضم قائمة طعامه في "شم النسيم" عددا من الأطعمة التي لم يكن اختيارها محض عشوائية أو صدفة بحتة، بل كانت تحمل مدلولا دينيا وفكريا ارتبط بعقيدته خلال احتفاله بالمناسبة، من بينها أطعمة أساسية مثل:

- البيض "سوحت": ترمز البيضة إلى التجدد وبداية خلق جديد في العقيدة الدينية المصرية، فهي منشأ الحياة، وقناة خروج أجيال من الكائنات، وأصل كل خلق، ورمز كل بعث. أما البيض الملون فيقوم المصريون بتلوين البيض وزخرفته بأجمل الألوان، وتعليقه في سلة على الباب من أجل اطلاع الشمس عليها، وهو اعتقاد فرعوني لتحقيق الآمال المنقوشة على البيض.

- السمك المملح (الفسيخ): حرص المصري على تناول السمك المملح (الفسيخ) في هذه المناسبة مع بداية تقديسه نهر النيل، الذي أطلق عليه "حعبي" بدءا من عصر الأسرة الخامسة، فضلا عن ارتباط تناوله بأسباب عقائدية تنطوي على أن الحياة خُلقت من محيط مائي أزلي لا حدود له، خرجت منه جميع الكائنات، أعقبه بعث للحياة ووضع قوانين الكون.

وبرع المصريون في صناعة السمك المملح، وكان يخصصون لصناعته أماكن أشبه بالورش كما يتضح من نقش في مقبرة الوزير "رخ-مي-رع" في عهد الأسرة 18، وتشير بردية "إيبرس" الطبية إلى أن السمك المملح كان يوصف للوقاية والعلاج من أمراض حمى الربيع وضربات الشمس.

- نبات البصل حجو: أولى المصريون أهمية كبيرة لتناول نبات البصل، خلال الاحتفال بعيد "شم النسيم" اعتبارا من عصر الأسرة السادسة، لارتباطه بأسطورة قديمة تحدثت عن شفاء أمير صغير من مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه، وكان البصل سببا في الشفاء بعد أن وُضع النبات تحت وسادة الأمير، واستنشقه عند شروق الشمس في يوم وافق احتفال المصريين بعيد "شم النسيم" فكُتب له الشفاء، فأصبح تقليدا حافظ عليه المصريون حتى الآن.

- نبات الخس عبو: كما حمل تناول المصري القديم نبات الخس في هذه المناسبة دلالة رمزية وعقائدية أخرى، لارتباط هذا النبات بالإله "مين"، إله الخصوبة والتناسل. كما أشارت بردية "إيبرس" الطبية إلى فائدة تناوله كعلاج لأمراض الجهاز الهضمي.

- الحمُص الأخضر: المعروف باسم "الملانة"، فقد عرفته عصور الدولة القديمة، وأطلق عليه المصريون اسم "حور-بك"، وكان يحمل دلالة عقائدية على تجدد الحياة عند المصري، لأن ثمرة الحمُص عندما تمتليء وتنضج، ترمز عنده بقدوم فترة الربيع، فصل التجدد وازدهار الحياة.

**الدكتور محمود حامد الحصري - مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة -جامعة الوادي الجديد

مقالات خط أحمر شم النسيم أكلات شم النسيم خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة