محمد محفوظ يكتب: القابض على الإعلام كالقابض على الجمر


أؤمن جيداً بأنه لا عمل بلا كرامة، ولا كرامة بلا مبادئ، وخصوصاً إذا كان هذا العمل يؤمن البعض بأنه رسالة عظيمة تسعى لنشر الوعي والتربية ونشر ثقافة روح التعايش في المجتمع.
كانت صدمتي حينما جاء إلىٌ صديقي الواعي والمثقف وقال لي هل شاهدت من يحول المائة جنية إلى مائة دولار في نفس اللحظة ؟ ، بل وأنه يستطيع احضار أي مبلغ من البنك على طريقة شبيك "لبيك يا مصطفى" ، ليس فقط ما سبق ولكنه أيضا يستطيع معرفة الغيب والتنبؤ بما سيحدث لك في المستقبل وما يدور في عقلك وخاطرك .
كل ما سبق لم يلفت نظري ولم أندهش لحظة واحدة له ، لأنني أدرك أنني أشاهد لعبة بطلها ليس الضيف ولكن البطل الحقيقي فيها هو المذيع الذي دائما ما يضع نفسه بين الكبار ، فهو من اعترض على الضيف وقال "أنا مش لاعب" وهو في نفس الوقت من صنع اللعبة .
نعم قد عشت في هذه الحارة البسيطة التي تسمى "حارة أولاد تبن" وقد سمعت من أحد أولاد الحارة بأن لا أقترب من "الأوضه" التي تقع في مكان معين من الحارة والسبب أن هذه "الأوضه" مسكونة بالعفاريت ــــ على حد قوله ـــ ، ومن المؤسف اليوم أننا نشاهد على شاشات التلفاز من يحاول أن يضحك علينا ويقدم لنا من يدعي أنه يعرف الغيب ويمتلك مصباح علاء الدين ، فما يحدث من وجهة نظري ليس له علاقة بالفنتازيا أو التسلية ولكن هو إفلاس لمضمون رسالة يجب أن تكون مرآة حقيقية للمشاهد وليست أداة تنويم مغناطيسي .
فإذا كنت أنت ـــ واحداً من الناس ـــ تؤمن بأن ضيفك تخطي حدود السحر ويعلم الغيب فهذا أمر خطير ، فيا هذا أعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله .
أما إذا كنت تسعى لحصد ملايين المشاهدات حتى ، ولو على حساب نشر ثقافة الجهل والخرافات فهذا أخطر وأضل سبيلاً ، فما حدث في الحلقة التي أذيعت الأسبوع الماضي في وضح "النهار" برأيي معد له بشكل مسبق عن طريق فريق الإعداد وخصوصاً عندما أذيع كل ما حدث بشكل مسبق كفلاش باك .
وختاماً أقول لك عزيزي المشاهد ليس بكلامهم المنمق ونقوش البلاغة دون الصدق يستميل مثل هؤلاء قلبك ، فخطف السمع والبصر من أخطر مراحل الأستمالة والتأثير ، واعلم أن هناك أشخاص يعيشون بلا مبدأ فيرحلون بلا أثر ، ويبدو أننا بتنا في زمن "القابض فيه علي رسالة الإعلام السامية كالقابض على الجمر" .