إبراهيم سليم يكتب: الجمل والجذع


يهل علينا بعد أيام ذكري ميلاد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، نعيش مع هذه الذكري نسترجع سويا ما فعله نبي الإسلام في هذه القبائل البدوية المتناحرة في شبه الجزيرة العربية.
فمما لاشك فيه أن النبي صلي الله عليه وسلم استطاع أن يغير سلوك هؤلاء القوم وأن يخرجهم من ظلمات الجهل والشرك والكفر إلى نورالعلم و الإيمان واليقين بالله ولكن أود أن أركز في هذا المقال على صفة من أهم الصفات التي قام عليها الدين الإسلامي وكانت ركيزة أساسية ألا وهي صفة الرحمة التي استطاع النبي من خلالها أن يتسلل إلى القلوب والعقول وقد ذكر الله عز وجل هذه الصفة فقال عن الحبيب المصطفي( فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ).
بل وصفه المولي عزوجل وصفا صريحا بهذه الصفة في سورة التوبة(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
والذي ينظر إلى سلوك النبي في دعوته يجد أنه كان رحيما بكل من حوله وعندما أقول كل من حوله أعني بذلك أن رحمته كانت تشمل جميع المخلوقات بل إن الرحمة المحمدية شملت الحيوانات والجمادات ولا أدل على ذلك ما فعله النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع الجذع الذي كان يقف عليه خطيبا يحكي هذه القصة الإمام البخاري فيقول عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: " كَانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ، وَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا ، فَسَكَنَتْ ".
وفي رواية : إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ رواه أحمد قال بدر الدين العيني رحمه الله : " قَوْله: (كصوت العِشَار) ، جمع: عُشَراء، وَهِي النَّاقة الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا ، من يَوْم أُرسل عَلَيْهَا الْفَحْل ، عشرَة أشهر.
فهذا الجذع الذي بكي بصوت عالي سمعه كل من كان في المسجد بسبب فراق النبي صلي الله عليه وسلم له ومع ذلك نزل الي الجذع يحنو عليه ويترفق به ويمسح عليه حتي سكت فهذا مثال واضح لرحمة النبي بالجمادات بل إن كتب السيرة النبوية لا تخلو من ذكر بعض المواقف التي تبين رحمته مع الحيوانات وأمره بالرفق والرحمة معهم وندلل علي هذا بموقف النبي صلي الله عليه وسلم مع الجمل الذي بكي بين يدي النبي ن عبد الله بن جعفر- رضى الله عنهما قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم خلفه فأسر إليَ حديثاً لا أخبر به أحداً أبداً، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل (أي جماعة النخل) فدخل يوماً حائطاً من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر (أي ردد صوته في حنجرته) وذرفت عيناه قال بهر وعفان: فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَ وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم سراته (الظهر وقيل السنام) وذفراه (العظم الشاخص خلف الأذن) سكن فقال: من صاحب هذا الجمل؟
فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه، هذا هو الوجه الحقيقي لهذا الدين الذي ينادي بحقوق الحيوانات منذ أكثر من 1400عام.
هذا هو دين الإسلام الذي ينادي بنشر الرحمة والمحبة والتسامح في هذا الكون بين جميع الخلائق ونبذ العنف ونصرة المظلوم والأخذ علي يد الظالم حتي لوكان أقرب الناس إليك.
مظاهر الرحمة في حياة النبي محمد كثيرة ومتعددة لا نستطيع أن نلم بها في مقال واحد تكلمت عن بعض جزء من رحمته ونكمل حديثنا في المقال القادم عن رحمته بغير المسلمين ورحمته بالضعفاء والأطفال.
اختم هذا المقال بقول الله عزوجل( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)
وبقول الشاعر
أنتَ الذي حنَّ الجمادُ لعطفهِ وشكا لك الحيوانُ يومَ رآكا
والجذعُ يُسمعُ بالحنين أنينُه وبكاؤُه شوقاً إلى لُقياكا