مقالات

الدكتور فتحي الشرقاوي يكتب: آفة العمل الإداري في مصر.. «تضخم الأنا»

خط أحمر

 

لو استعرضنا البنية الخاصة بالعمل الإداري في أي مؤسسة أو هيئة أو وزارة في بلدان العالم الثالث، لوجدنا حقيقة ساطعة، لا يمكن إنكارها أو حتى مجرد التشكيك في مدى صحتها، وهى أن المناخ الإداري العام للمؤسسة، بكل مايتضمنه من تحديد للأهداف ورسم ملامح العلاقات التي تربط العاملين ببعضهم وكذلك الانجازات المتوقع تحقيقها، كل هذه المحددات وغيرها يرتبط ارتباطا وثيقا وعضويا ومباشرا بسمات شخصية القائد الإداري الكبير.

فإذا كان القائد متسما بخصائص إنسانية ومهنية إيجابية، فلنا أن نتوقع تباعا صبغة المؤسسة بالكامل بهذا المنظور الإيجابي، والعكس قد يبدوا صحيحا في نفس السياق المطروح، من هذا المنطلق يأتي اهتمام كافة الإدارات في جميع أنحاء العالم المتقدم، بسمات شخصية قائد المؤسسة تحديدا، والمدقق في أدبيات السلوك التنظيمي داخل أي إدارة، لا يجد عناء الوقوف على هذه الحقيقة الساطعة.

وسنتناول في هذا المقال في عجالة سريعة شخصية أحد القادة، ومدى تأثيره السلبي المدمر على كل روافد إدارته للمؤسسة التي يعتلي قمة التحكم فيها، إنه القائد ذو الأنا المتضخم المتورم، وتقتضي الضرورة المنهجية ونحن نتناول هذه الشخصية، أن نبدأ أولا بوصف تفصيلي لأهم خصائصها.

أولا. يعتقد في قراره نفسه أنه الوحيد في المؤسسة التي يديرها ، بحكم رئاسته لها فقط، الذي يعرف ويفهم ويعي ، وغيره من بقية العاملين تحت إمرته جاهلون، ولا يحسنون التفكير والتصرف، إلا من خلاله، وهذا الاعتقاد الزائف الذي يسيطر على ذهنيته طوال الوقت، يدفعه دوما ودائما، لكي ينصب نفسه المخطط الأوحد والمنفذ الأوحد والمتابع الأوحد والمقيم الأوحد في كل صغرة وكبيرة داخل المؤسسة، أما بقية من يعملون معه، فهم مجرد أدوات صماء للتنفيذ الآلي فقط ، خاليه من أي ملمح من ملامح التفكير.

ثانيا. لا يؤمن بأهمية إدارة الحوار مع العاملين معه، لإيمانه بعدم جدواه، وأنه مضيعه للوقت، وإذا دفعته الضرورة لفتح قنوات الحوار وعقد جلسات واجتماعات للحوار والمناقشة، فغالبا ما يكون الهدف التصديق على آرائه وأفكاره، دون إتاحة الفرصة للإفادة الحقيقية من ثرء تباين الآراء المتعددة، وكأن لسان حاله يقول قولوا ما شئتم..ولي في النهاية ما أشاء.

ثالثا. التنفيذ القسري لأفكاره، حتى في ضوء الشواهد المنافية لصحة تلك الأفكار، لأن المتورط ذاتيا لا يقبل من داخله فكرة الإعتراف بالخطأ والقصور، ومن ثم يستمر في القرار الخطأ للحفاظ على صورة ذاته، وحتى لا يترك للعاملين معه فرصة تكوين انطباع ذهني لديهم بأنه فاشل.

رابعا. يحرص هذا القائد ذو الأنا المتورم والمتضخم ، إلى عدم الاستعانة تماما بأي كفاءات من العاملين، الذين يتسمون بالاستقلالية في الرأي ، ذوي الأصالة والطلاقة والمرونة الفكرية والمبدعين القادرون على طرح العديد من البدائل لحل أي مشكلة في مجال العمل ، حتى يظل هو الأوحد على قمة الهيراركية الإدارية، ولا شك أن هذا الاستبعاد المتعمد للكفاءات، واستبدالهم بمعدومي الخبرة، و أصحاب الشخصيات السلبية والموافقون بشكل مرضي دائم لقراراته وأفكاره وتصوراته، حتى لو كانت قاصرة ،سيؤدي حتما في النهاية، إلى عدم الإفادة من خبراتهم، وتكون النتجة تراجع فاعلية المؤسسة.

خامسا..هناك قاعده كبيرة من العاملين، يعتقدون أن السبيل الأوحد والوحيد للارتقاء الوظيفي، هو الانصباع التام لأوامر قائد المؤسسة حتى لو كانت قاصرة، وتحت هذا الشعار، نجدهم يقتلون كل فكرة أو تصور للإبداع لصالح العمل، ولا يجرؤن على طرحها أمامه ، ويتبنون بشكل تام كل مايصدر من قائدهم ، بل قد يتفننون في تعديد محاسنه ، ليس إرضاء للعمل، بل ارضاء للأنا المتورم لقائدهم.

لكل ما سبق تحرص الشركات والمؤسسات والهيئات العملاقة في جميع أنحاء العالم، إلى الابتعاد قدر المستطاع عن هذه الشخصية ، وعدم إركان وإسناد أي مهام قيادية لها.

إلى لقاء في المقال التالي...عن كيفية التعامل مع تلك الشخصيات المعرقلة لأهداف المؤسسات التي يتولون قمة قيادتها.. القيادة علم وفن.. مش كوفته ولحمة راس.

الدكتور فتحي الشرقاوي آفة العمل الإداري في مصر تضخم الأنا خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة