مقالات

الدكتور أحمد عبود يكتب: ما بين سقوط سوريا وعكا

خط أحمر

بين سقوط عكا وسقوط سوريا، مسافة زمنية كبيرة، لكنها محمّلة بدروس التاريخ، حيث تتشابه الأحداث في بعض ملامحها وتختلف في تفاصيل أخرى، وكأنما يُعيد الزمن نفسه بأشكال مختلفة. فسقوط عكا في أيدي الصليبيين كان لحظة فاصلة في التاريخ الإسلامي، عكست تفكك الدولة العباسية وضعف قيادتها أمام غزو منظم وقوي. وكذلك، ما نشهده في سوريا اليوم هو تجسيد لصراع معقّد بين أطراف متعددة، وسط انهيار داخلي وتدخلات خارجية جعلت الدولة ميداناً للفوضى.

عكا، تلك المدينة الحصينة التي طالما كانت عصية على الغزاة، سقطت نتيجة لحصار طويل وخيانة داخلية وتآمر قوى خارجية. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه أن سقوطها لم يكن بسبب قوة العدو فقط، بل لأن الداخل كان ضعيفاً وممزقاً. الحكام كانوا منشغلين بخلافاتهم، والمجتمع كان يعاني من التفرقة والصراعات. وهذا المشهد يعيد نفسه اليوم في سوريا، حيث ضعف الوحدة الوطنية وسوء إدارة الأزمات أدى إلى تدخل قوى خارجية، بعضها سعى لنهب ثروات البلاد، والبعض الآخر لعب دوراً في تأجيج الصراعات.

عندما نتأمل سقوط عكا، نجد أن السبب الأبرز كان التخاذل والفرقة، وهكذا الحال في سوريا. القوى المتصارعة في الداخل، من النظام إلى المعارضة المسلحة، لم تنظر إلى المصالح الوطنية بقدر ما ركزت على أجنداتها الضيقة. وفي ظل هذا الفراغ، تدخلت قوى كبرى لتحقق مصالحها على حساب الشعب السوري الذي دفع ثمناً باهظاً من دمائه ومقدراته.

ما يجمع بين سقوط عكا وسوريا هو دور الخيانة، سواء كانت خيانة القادة الذين لم يصونوا الأمانة، أو خيانة بعض الأطراف التي سهّلت الطريق للغزاة. الخيانة ليست دائماً بيعاً للأرض، لكنها أيضاً غياب الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن وتفضيل المصالح الشخصية على المصلحة العامة.

لكن، إذا كان سقوط عكا نهاية حقبة، فهل سيكون سقوط سوريا نهاية؟ الإجابة تعتمد على إرادة الشعوب. التاريخ مليء بالشواهد التي تؤكد أن الدول تنهض من رمادها إذا توافرت الإرادة والتضامن. سقوط سوريا، بمعناه الحالي، هو تحذير لباقي الدول العربية، لأن ضعف واحدة يُضعف الجميع، تماماً كما حدث في العصور الوسطى عندما تركت الدول الإسلامية عكا لمصيرها.

السؤال الآن: هل نتعلم من التاريخ؟ أم نظل ندور في دائرة السقوط؟

مقالات خط أحمر أحمد عبود سوريا عكا خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك القاهرة
بنك القاهرة