الدكتور إبراهيم المدني يكتب.. القضاء العادل وبناء الإنسان


تنتشر بصورة ملفتة للنظر على صفحات التواصل الاجتماعي قضية راجح ومحمود أو كما يقولون القاتل والقتيل ، ويدلي البعض بدلوه متصورين أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ،ويدعون بكل ثقة إلى إعدام راجح القاتل في نظرهم طالبين بالقصاص العادل وتحقيق العدالة الناجزة فورا وفي مكان عام .
هذ نموذج صارخ وكاشف لسيطرة منصات التواصل الاجتماعي على العقول بلا تحقق ولا روية ولا تأكد من مصدر الأخبار، وكأن الدولة ليس فيها قانون شامل مجرد بعيد عن الهوى والآراء الشخصية، وكأن السادة القضاه سوف يتركون قواعد القانون ومعايير العدالة ويتخلون عن دقة التحقيق وسلامة الإجراءات من أجل دعوات إنفعالية منتشرة بشدة تعكس قدرا مخيفاً من الظلم يرتدي ثوب الدفاع عن العدالة وطلب القصاص.
أشم رائحة غير زكية في هذا السياق كما قال هاملت في رائعة شكسبير عن مأساته مع عمه وامه فى كوبنهاجن، أشتم رغبةً ملحة من البعض في تجاوز دور الدولة في الحفاظ على هيبة القانون والدعوة للفوضى بحجة علنية ملحة في الثأر للقتيل، هذه التجرأ على القانون وعلى هيبة الدولة لم يبدا من فراغ بل ابتدا من ممارسات سابقة متكررة في إنهاك الأمن بقضايا خلافية تحتمل الحقيقة وضدها وتستبدل بدور الدولة مجموعة من النشطاء المناضلين خلف لوحة المفاتيح الاليكترونية (الكي بورد) لو صح التعبير والذين يعتقدون جهلا أو تعسفا أنهم قادرون على خلخلة النسيج المجتمعي بهذه الدعوات، ولا نبرأ بعض المدعين من مذيعي مباريات كرة القدم او مسئولي الأندية الرياضية الذين يفتقدون الوعي والحكمة ويعترضون بجهل وتعجل على قرارات حكام المباريات مما يشيع الفوضى ويؤلب الجماهير ويثير المجتمع ويشكك في نزاهة وقدرة حكام المباريات الذين هم بمثابة القضاه المسئولين عن قراراتهم ولا يعني هذا التسليم الكامل الغير مشروط بقرارات حكام المباريات او السادة القضاه لكن هناك نظم وإجراءات تعدل المسار وتضبط الإيقاع من إجراءات التقاضي المشهورة بدءاً من رد المحكمة ذاتها حتى أحكام النقض وعندها يكون الحكم بالفعل عنواناً للحقيقة.
إن روح الإنسان أي إنسان أهم وأعلى قدراً من أن تهدر بدعوات التواصل الاجتماعي المحمومة والتي ربما في نهاية المطاف تكون سليمة ويثبت فعلياً صحة الواقعة لكن ما ندعو له هو ترك الأمر للقضاء ورجالة الشوامخ الذين يتحمل ضميرهم المهني والقانوني والشخصي نتائج أحكامهم بعد التحقيقات والإجراءات المحاطة بأقصى درجات التحوط والدقة والنزاهة.
إن بناء الإنسان السوي الذي ندعو له يحتاج إلى اطمئنان المجتمع لمعايير ثابتة مجردة شفافة قابلة للتطبيق على الجميع بلا استثناء ولا محسوبية ولا فساد أي تطبيق القانون وهو الضمانة الأخيرة للحفاظ على النسيج المجتمعي متماسكاً قوياً بلا إفراط في الهجوم والنقد والافتئات على الحقيقة بلا ادلة دامغة وأيضا بلا تفريط في حقوق أفراد الشعب حفاظاً على المجتمع ذاته من التحلل والسقوط في دائرة الفوضى والانقسام .