الدكتور السيد الخطاري يكتب.. الإعلام.. ونقطة الصفر المطلق


نقطة الصفر المطلق عند الفيزيائين هي درجة الحرارة التي ينعدم عندها ضغط الغاز المثالي ، إذ تعني الحالة التي تكون درجة حرارة المادة فيها أقل ما يمكن أن تصل إليه إطلاقاً ، وتقضي بأن جميع ذرات أو جزيئات المادة تكون لها أقل طاقة في تلك الحالة ، ويعتقد الفيزيائيون أن درجة الحرارة لا يمكن أن تصل إلى الصفر المطلق تماماً، وأقل درجة حرارة تم الوصول إليها هي واحد في الألف مليون من الدرجة فوق هذا الصفر المطلق وفقاً لمقياس كلفن .
وهكذا إعلامنا في الأسبوعين الماضيين والذي قد وصل للمرحلة التي انعدمت فيها درجة تأثيره وفاعليته في الشارع ، والتي استطيع وبملئ فمي أن أقول أنها _ نقطة اللاعودة، فبات كنعيق الغراب الذي كان يعده الناس قديماً نذير شؤم ونحس وحزن وفشل ، بل أدعي أني قد ظلمت الغربان حينما أشبه إعلاميونا بهم ، فالغربان تعد فصيل من الكائنات القليلة التي تظهر رد فعل اجتماعي عند موت أفراد من نوعها ، وعلى الرغم من أن نعقاتها هذه قد تبدو كصرخات نابعة من ألم نفسي، إلا أن هذه الجنازات لا تتعلق بالحداد على الموتى من أصدقائها بل تتعلق بالتعلم من أخطائها ، وهذا السلوك هو طريقة الغربان لاكتشاف سبب موت الطائر ولتعلم كيفية تجنب المصير ذاته ، والتجمع في سرب كبير ليصدر هذا الضجيج يمنحهم الحماية من الخطر في حال كان لا يزال متواجداً ، على عكس من يعتلى منابرنا الإعلامية هذة الفترة والتي أعدها من أخطر الفترات التي تمر بها مصر ، إذ يتكالب عليها الأعداء من كل حدق وصوب .
فالإعلام المصري قد فشل فشلاً ذريعاً في التصدي للهجمة الهمجية التي تعرضت لها مصر في الأسبوعين الماضيين من إعلام الإخوان الممول بالليرة التركية والريال القطري، وما يؤكد صدق كلامي هو ما شهدته الساحة الإعلامية خلال الفترة الأخيرة من تخبط وهرج ومرج ، يعكس برأيي حالة من اللامسؤولية المضرة بثوابت الدولة والأمن القومى ، بعضها ناتج عن عدم المهنية في مواجهة كم الشائعات المتلاحقة التي يسوقها الإعلام المعادي من حين لآخر ، مما جعل اعلامنا على طول الخط فقط رد فعل لهم ولشائعاتهم التي كادت أن تعصف بالثقة المتبادلة بين الشعب المصري وقواته المسلحه ، لولا يقظة هذا الشعب الأبي الذي طالما يثبت للعالم أنه جيشه وقادته الذي انحاز إليه مرتين في العقد الأخير .
أما السبب الآخر الذي جعل إعلامنا يصل إلى نقطة الصفر المطلق ، ففي تصورى تتمثل في المبالغة المستمرة في المدح والتطبيل والتى أتصور أنه لم يعد لها مكان الآن ، فضلاً عن البعد كل البعد عن التعبير عن مطالب الشارع المصري ، واحتياجات المواطنين ولاسيما تلك الطبقة التي كادت أن تموت وتندثر لولا تدخل الرئيس في الوقت المناسب ، مؤكداً أنه والحكومة ملتزمون تمامًا باتخاذ ما يلزم للحفاظ على حقوق المواطنين البسطاء في إطار الحرص على تحقيق مصلحة المواطن والدولة سواء بسواء .
وأرى ختاماً أن ما تتعرض له مصر وجيشها الآن من مخططات واضحة يتطلب أن يتحمل كل مصرى مسؤولياته ، وأن يستفيق الإعلام من غيبوبته ، وأن تكون المنظومة الإعلامية في مصر مؤهلة للدفاع عن الوطن ، ولن يكون الإعلام المصرى بنظري قادراً على أداء هذه المهمة إلا إذا تم تطهيره من كل الذين يسيئون إليه ، واستبدال هذه الوجوه العكرة التي لم يعد الشارع المصري يتقبل أن يراها على الشاشات بوجوه أخرى شابه جديدة بشوشه ، تعبر عن الآلامه وتحمل آماله بكل مهنية ومصداقية حتى تتحرك مجدداً فوق نقطة الصفر المطلق ، وتصل إلى القطاع الأكبر من المصريين لتقف معهم وبينهم في الصفوف الأولى للتصدي للهجمات الخطيرة التي تتعرض وستتعرض لها مصر ، فالمؤامرة برأيي لا تزال مستمرة ولن تنتهي .. اللهم قد بلغت .. اللهم فأشهد ، حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وقادتها .