نفين منصور تكتب: كارثة التوكتوك


منذ عدة سنوات ترائي لبعض رجال الأعمال طرح التوكتوك في السوق المصرية لاستخدامه كوسيلة للنقل في القري والنجوع والأحياء الشعبية والعشوائية والتي يصعب وصول سيارات الأجرة إليها ربما لضيق الشوارع أو لعدم قدرة قاطنيها علي سداد تعريفة الركوب لمثل هذه السيارات، فكان التوكتوك والذي انتشر في عدة دول في آسيا الحل الأمثل للنقل في مثل تلك المناطق، وبالفعل ناقش مجلس النواب المصري وضع التوكتوك ووضعوا القواعد المنظمة للتعامل به وأساليب تراخيصه وأماكن تواجده في المحافظات المختلفة .
ولكن مع الأسف الشديد لم يطبق القانون كما وُضِع ، ولَم يتم تنظيم حركة التوكتوك في المناطق المختلفة ولَم يتم حل مشاكل تراخيصه حتي تحول إلي كارثة حقيقية حيث نتج عن عدم حل واحتواء هذه الأزمة إزدياد أعداد التوكتوك في الشوارع المصرية حتي بلغ عدده ما يقرب من أربعة مليون توكتوك أو ربما أكثر من ذلك ، المرخص منهم ما يقرب من مئتين وخمسين ألف توكتوك والباقي ينتشر في ضواحي مصر وأحيائها بدون تراخيص والأدهي من ذلك أن معظم من يقود ذلك التوكتوك من الأطفال أو المراهقين الأقل من واحد وعشرين عام.
وفِي إحدي اللقاءات التي ناقشت فيها مشاكل التوكتوك بعد صدور قرار السيد رئيس الوزراء بمنعه واستبداله بسيارات الميني فان فاجئني حديث الخبير المروري السيد اللواء مجدي الشاهد ، بأن سبب تفاقم المشكلة نتيجة تعنت بعض المحافظين في استصدار تراخيص التوكتوك حيث امتنع البعض عن الموافقة بغير حق، والبعض الآخر طالب ملاك التوكتوك بسداد مبلغ اكثر من خمسة آلاف جنيه لاستصدار التراخيص والبعض سمح بالترخيص لمجموعة وامتنع عن الترخيص لآخرين.
وبالتالي تفاقمت المشكلة مع الوقت بالإضافة إلي وجود بعض العوار في قانون المرور وعدم وجود عقوبة صارمة لمن يقوم بقيادة التوكتوك بدون ترخيص حيث حدد القانون غرامة مالية فقط لمن يقود أي سيارة أو دراجة بخارية بدون ترخيص مما أدي إلي تلك الفوضي التي نعاني منها جميعاً وبالرغم من محاولة بعض المسئولين لوقف استيراد التوكتوك إلا أن البعض تحايل علي هذا القرار باستيراد أجزائه وتجميعه في ثلاث مصانع في مصر حتي زاد العدد ليتعدي الأربعة مليون توكتوك في شوارع مصر.
ولشدة الإقبال عليه ارتفع ثمنه من ثلاثة آلاف جنيه حتي وصل إلي ما يقرب من أربعين ألف جنيه ، ولا يخفي علي أحد نسبة البطالة في مصر فاتجه العديد من الناس لشراء التوكتوك بالتقسيط وقيادته لكسب قوت يومهم حتي أصبح مصدر رزق لأكثر من أربعة مليون مصري علي مستوي الجمهورية ، وبالتأكيد هو عدد لا يستهان به ولا يمكن غض البصر عن تلك المشكلة وحان الآن التفكير بجدية لحل مشاكل هؤلاء.
ولكن هل الحل السليم بعد تفاقم تلك الكارثة هو استبدال التوكتوك بسيارة ميني فان يبلغ ثمنها ما يقرب من مئة وأربعين ألف جنيه ؟ وماهي آلية الاستبدال هل سيتم تقسيط فرق السعر ما بين قيمة التوكتوك الحالية بعد استعماله وسعر السيارة الميني فان الجديدة ؟ وكيف سيتم تحديد قيمة التوكتوك المالية للراغبين في عملية الاستبدال؟
المشكلة الحقيقية أن قرار الاستبدال له عواقب مقلقة ، فاستبدال التوكتوك بالميني فان يعني تحميل المالكين له أعباء مالية جديدة لأن فرق السعر بين ثمن التوكتوك المستعمل والسيارة الجديدة كبير ولا يعلم أحد حتي الآن كيف سيتم حساب ثمن التوكتوك المستعمل والفرق المفروض سداده للحصول علي السيارة الميني فان.
اعتقد ان هذا القرار يحتاج دراسة وافية ومفصلة لعدم الإضرار بالعاملين في هذا القطاع والمقدر عددهم بالملايين، مع مراعاة الأولويات قبل التفكير في المظهر الحضاري ، فالأولي عدم الإضرار بأرزاق هؤلاء وإعادة التفكير في توفيق أوضاعهم الحالية واعطائهم مهلة زمنية لاستصدار التراخيص اللازمة للتوكتوك واستصدار تراخيص لسائقيه، مع منع استصدار أي تراخيص بعد انتهاء المدة ومنع تصنيعه وبيعه حتي يختفي مع الزمن دون الإضرار بهذه الفئة المقدرة بالملايين.
وهذا لا يتعارض مع دخول السيارة الميني فان إلي السوق المصري كبديل للتوكتوك للراغبين في ذلك ، القادرين علي سداد فرق السعر والإحلال، فمثل هذه الظواهر لا يمكن أن تختفي فجأة لارتباطها بحياة المواطنين ارتباط مباشر ، بل يأتي الاختفاء تدريجياً حتي نعطي فرصة للعاملين في هذا القطاع بالبحث عن بديل لكسب قوت يومهم.