محمد عبد اللطيف يكتب .. ليتنى ما عرفت الـ ”بتكوين ”


ويسألونك عن الـ "بتكوين" .. قل : هي عملة رقمية وفيها مآرب أخرى !!
قل : هو بوابة خلفية لغسيل الأموال القذرة وتوظيفها ، قل : وسيلة جهنمية لتمويل الارهاب، قل : تدير بعض أنشطة تداوله حكومات وأجهزة استخبارات ، قل : له سماسرة ومغامريو وفهلوية ..
قبل أيام تقابلت مع صديق لى باحدى كافيهات منطقة الرحاب، وبينما كنا نعدد سوياً مآسى العالم الافتراضى، ومخاطر مواقع التواصل الاجتماعى فى تزييف الوعى وتشويه العقول عبر نشر الشائعات، كان يجلس بجوارنا شخصان يتحدثان فى نفس الموضوع، لكن بصورة مغايرة للسذاجة والسطحية التى كنا نتحدث بها، صورة تترجم منافع العالم الافتراضى وخباياه، وبدا جلياً من حديثهما المشحون بالغضب والوعيد، أنهما تعرضا لعملية نصب من شريك لهما أو لأحدهما، أو أنهما أو أحدهما ،مغامراً، أو لصاً أراد مقاسمة شيخ "المنسر " فى مئات الملايين التى تحققت من بيع الوهم ، فاختلفوا على الأنصبة، لذا خرج المستخبى على السطح ، أو هكذا فهمت .
لفت انتباهى ترديدهما بعض المصطلحات والمفردات الغريبة ـ على الأقل بالنسبة لى ـ ما جعلنى أتوقف عن استكمال النقاش مع صديقى حول حروب الجيل الرابع، أما المفردات فهى الـ " بتكوين" ، مزارع تصنيع العملات الافتراضية ، بورصة التداول ،المحافظ الكترونية ،العمولات ، المنصات الدولية ، وغيرها من الأمور المحرضة على الغوص فى التفاصيل، خصوصاً الجوانب المتعلقة باستخدام المغامرين لأساليب مبتكرة، بهدف التغطية على النشاط الأساسى ، فضلاً عن استعراض القوة والوجاهة بتأجير البلطجية كـ "بودي جاردات " يصاحبونه فى تحركاته أينما ذهب ، ناهيك عن توظيف بعض الشخصيات، ممن كانوا يعملون بمراكز عليا فى جهات مرموقة قبل خروجهم على المعاش، تارة لاضفاء المصداقية على النشاط ، وتارة أخرى لارهاب من يتجرء على الاقتراب منه ، عبر الايحاء بأن قوى غامضة تحمى هذا العبث، وأن له شركاء نافذين فى دوائر السلطة ، بالضبط مثلما كان يفعل أصحاب شركات توظيف الأموال فى ثمانينيات القرن الماضى، عندما استعانوا بشخصيات للعمل فى العلاقات العامة لانهاء المصالح وتحرير العقود ،أغلب الظن أن أى من تلك الشخصيات الذين ترددت أسماؤهم ويعملون الآن فى مثل هذه الشركات، لا يعلم خبايا النشاط وأسراره، ولا يعلم مسارات العلاقات العنكبوتية المتشابكة فى العديد من العواصم العالمية ، وأغلب الظن ، أن من يروج لهذا الهراء لا يعيش بيننا، ولا يعرف أن ارادة الدولة بكل مؤسساتها ، توافرت بالفعل للقضاء على الفساد والارهاب وكل أنواع الخروج على القانون .
على أى حال.... لم يكن ما سردته مجرد حديث عابر، سمعته فى لحظة عابرة ، يمكن أن ألقيه ـ شأن أى حديث ـ خلف ظهرى وأنصرف الى حال سبيلى، لكنه جعلنى أتمرد على عزلتى الاختيارية، ولا أبالغ اذا قلت أنه، أيقظ قلمى من سباته ، وحرضه على نزف الحروف المؤلمة، فالقضية خطيرة ومن فرط خطورتها، لا أملك ، حيالها، سوى الصراخ، وقطعاً، سيلحق بى كل من سيدرك حجم الكارثة، التى تهدد الأمن والاقتصاد على حد سواء ، كما أننى لا أنكر أن خطورتها ، حسب ظنى، كانت محفزة لى على النقاش الايجابى مع مسئولين ، لديهم دراية بالرقابة الأمنية والفنية على استخدام المواقع الالكترونية فى أمور تضر بمصالح الدولة ، ومكافحة أساليب تبييض الأموال القذرة ، التى تدور على نطاق واسع لصالح المافيا وأجهزة الاستخبارات ، الى جانب أساليب تنظيم الاخوان بالخارج والداخل فى توظيف التكنولوجيا ، ضد استقرار الدولة على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية .
بالبحث حول حقيقة ما سمعته ، وجدت ما لا يمكن الصمت عليه بأى حال من الأحوال، وجدتنى أخرج من عطفة الى حارة ،ومن حارة الى شارع ، ومن شارع الى ميدان واسع ، شركات تعمل فى مجال البرمجيات ، ومواقع لها مكاتب فى العديد من العواصم ، ومكاتب سماسرة ، كما أننى وجدت الشركة التى تردد اسمها على مسامعى، وفق أوراق تسجيلها فى الجهات الرسمية ، وحسبما يروج موقعها باللغة الانجليزية، يدور نشاطها فى مجال البرمجيات ، شحن باقات الانترنت والهواتف ، ولها فروع بكل محافظات الجمهورية ،الى هنا يبدو الأمر عادى ، بل عادى جداً، أما النشاط الفعلى فهو توظيف الأموال عبر أعضاء يتم استقطابهم بعد دفع اشتراكات ، حيث يقوم العضو بشراء عملات رقمية، بالمناسبة هى متنوعة وليس الـ " بتكوين فقط" ،ويحصل العميل على فوائد، من توظيف أمواله ان لم يكن لديه محفظة الكترونية ،عبر تداول العملة الرقمية فى المنصات الدولية ، وتحصل الشركة على عمولة مقابل القيام بدور السمسار ....للأسف لا توجد تشريعات تُجرم هذا النشاط ، لأن البيع والشراء يتم على عملات وهمية وليست مادية، أما الطرق التى يتم العمل بها للقفز على الملاحقات القانونية فهى طرق احتيالية ،عبارة عن توقيع عقود بين الشركة وعملائها ، مفادها شراء أجهزة "لاب توب"، بقيمة المبالغ المودعة، ويتم تحرير ايصالات لهم بقيمة الفوائد المستحقة، ويتم تحصيلها باعتبارها دفعات مستحقة عن بيع كميات هائلة من أجهزة لاب توب، للهرب من المسائلة حال الاختلاف بين الطرفين ، لكن أين هى تلك الأجهزة ؟،....هى افتراضية أيضاً ، أى أنها فى العالم الافتراضى !!
العملات الرقمية بالرغم من أنها عملات وهمية يتم ارسالها واستقبالها على المحافظ الالكترونية، مقابل مصاريف للشركات والعملاء أثناء عملية البيع والشراء ، الا أن مالك العملة غير معروف والمشترى لها غير معروف .
الأخطر من هذا وذاك ،أن يتم تصنيعها فى مصر بعيدا عن الأعين ، ومن دون علم الدولة ، ومن دون معرفة غالبية الشخصيات التى تعمل بالشركة، التى يتبين من موقعها أنها فرع لشركة عابرة للقارات " متعددة الجنسيات"، وهو ما يعنى أن نشاطها داخل البلاد ، يختلف تماماً عن نشاطها الفعلى الذى يدور فى الخفاء، طبعا، جرى تستيف الأوراق بتوقيع بروتوكلات وكالة للشركات الأجنبية، كى تتماشى الأمور مع النشاط المعلن .
تتم عملية التصنيع داخل مزارع فى مناطق الريف، من خلال انشاء مزارع لتصنيع العملات الرقمية، بأجهزة مخصصة لهذا الغرض يتم استجلابها من الخارج ، يطلق عليها مزارع العملات الافتراضية ، وهى شبيهة بمكونات الحاسب الآلى بخصائص مميزة ، وتحتاج لضغط كهربائى عالى ، لأنها تحتاج لتبريد عالى جداً، أما تسويق العملة المصنعة، فيتم عن طريق منصات دولية، ويتم تحويل القيمة السوقية للعملة الافتراضية بأوراق البنكنوت سواء سيولة أو عن طريق البنوك، بما يعنى أن التحويلات غير مجرمة ، ولا تخضع للمسائلة ، لأنها ناتجة عن بيع وشراء عبر الوسائل الالكترونية ، وهذا هو بيت القصيد .
الحديث عن تمويل الارهاب، وغسيل الأموال وتوظيفها ، لم يكن من قبيل ترف الكتابة عن العملات الرقمية ، لكن علينا أن نتوقف قليلاً لنتعرف على واحدة من الوقائع التى حدثت فى الولايات المتحدة ، أكبر دولة تتعامل بالعملات الرقمية ،فهى كشفت قبل عامين ،تمويلات لصالح تنظيم داعش الارهابى ،عبر تحويل عملات نقدية مقابل بيع عملات افتراضية ، يا ترى ،هل هناك متابعة لعملاء هذا النشاط فى مصر وحجم التعاملات البنكية ؟ .... أم أن أحد البنوك بمنطقة مصر الجديدة ، يتم استخدامه بوابة خلفية للتعتيم على حجم الأموال المتداولة ؟لأنه يقرض أصحاب شركات توظيف الأموال الافتراضية ...تساؤلات عديدة ،أرى أن طرحها للنقاش العام بات مهماً فى هذا التوقيت، لاصدار تشريعات تحد من العبث .