أحمد رجب يكتب.. ”الضمائر الغائبة”


لم تعد الضمائر الغائبة مجرد درسًا نحويًا تعلمناه في مرحلة التعليم الأساسي.. لقد أضحت الضمائر الغائبة تقطن وتقبع في وجدان معظمنا وتنعكس على تصرفاته وأخلاقياته وردود أفعاله تجاه الآخرين.. هو وهي وهما وهم وهن.. أرى أن كل هذه الضمائر لم تعد لفظية مجردة فقط بل أضحت معنوية عامة.. لم يعد الضمير هو يعني الضمير المذكر الغائب عن المكان.
بل أضحي يعني الضمير المذكر الغائب مكانًا ووجدانًا !! .. وهكذا الضمائر هي وهما وهم وهن !!.. الضمائر الغائبة توغلت وتوحشت وافترست بعضها البعض ولا عزاء للغة فهي بعيدة كل البعد عن هذا الصراع ولكني استعر من علم النحو المسمي والمعني المجرد فقط للدلالة على واقع ماسخ عطب مشوه !! .. الضمائر الغائبة الآن لم تعد حبيسة كتب التراث كما كانت من قبل ولكنها تجاوزت ذلك وقفزت قفزات هيسترية تشبه قفزات القرود المتوحشة في الغابات الإستوائية فاستوطنت الأجساد وقبعت داخل الروح وتوغلت في صميم القلب !!
أصبح معظمنا كالممسوسين المصروعين الذين لا يقومون من أماكنهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس !! .. ولكن المس الذي أقصده هنا ليس مس الجن أو العفريت أو المارد وإنما مس الضمائر الغائبة التي تحولت من مجرد معارف اسمية مبنية ذات ضبط واحد وتشكيل واحد ونطقًا واحدًا وبناء واحد في محل رفع مبتدأ أو خبر أو محل نصب مفعول أو جر مضاف إليه إلى معارف حركية مادية مجردة.. واقعنا المتردي الباهت الممتلئ بظلل من الغمام الأسود أخرج هذه الضمائر من محرابها اللغوي وفرغها من قواعدها الثابتة فأصبحت ضمائر غائبة مغلفة بالحقد والغل !!.
كما أضحت من وجهة نظري وكما قلت سلفًا ضمائر حركية مادية متلونة مزيفة لا مبنية ولا لفظية يكاد غلها وحقدها يضئ !! .. وأكرر بل أؤكد لمن يتابع المقال خاصة من أساتذتنا من علماء اللغة العربية وملوك ناصيتها أنني لا أهاجم ولا أتطاول ولا أجرؤ ولا في نيتي التقليل أو الهجاء أو النقد أو التطاول على التعرض أو النيل من الثوابت اللغوية القيمة فتظل الضمائر اللغوية وضمير الغائب هو ذلك الاسم المعرفة المبني ذات الضبط الواحد والتشكيل الواحد والبناء الواحد.
لا شك أن هذا البناء الذي لا يتغير البتة بتغير إعراب الاسم المبني فسواء كان موقع الأخير في الجملة مبتدأ أو خبر أو فاعل أو مفعول أو غيره فهو دائمًا مبنيًا آخره في محل رفع أو نصب أو جر كذا أو كذا أو كذا !! .. أنا فقط هنا وفي هذا المقام أتلقف من لغتنا الجميلة حسنها وأناقة معانيها وقواعدها كي أصف قبح واقعنا الغائب معظم ضمائره .. المخوخة بعض فضائله.. المنافقة أغلب أقلامه وشاشاته وصحفه !! .. وفي هذا الإطار وبالقياس على ضمائر لغتنا الغائبة تجدون الضمير الغائب "هو" وهو ذلك المرتشي في هيئة وطنية سيادية مسئولة عن الإعلام ورغم سيادة وهيمنة هذه الهيئة الموقرة إلا أننا نجدها تطيح بهذا الضمير الغائب المرتشي ولم يك ذلك ليحدث إلا في عهد هذا الرئيس الوطني حتى الثمالة عبدالفتاح السيسي .
وعلى صعيد آخر نجد الضمير الغائب "هي".. وهي تلك التي تم إنهاء خدمتها في صمت رغم منصبها الرفيع في وزارة الصحة المصرية .. ثم نجد الضمير الغائب '"هما " وهما اللذان تم إقالتهما ومنعهما من السفر بعد اختلاس قوت المصريين من خلال صفقات عفنة مشبوهة حقيرة تم إبرامها تحت غطاء السمسرة العفنة ليتم محاسبتهما داخل كيان شهير قاطن بالجبلاية اسمه " الاتحاد المصري لكورة القدم" !!.. ثم نجد الضمير الغائب "هم" .... وهم الذين حرم عليهم دخول مصر بعد أن أثاروا الفتن والهرج والمرج من داخل ديكورات إحدى القنوات التركية العفنة التي تشبه الحمار أو الكلب الذي يحمل أسفارا .. إذا حملها نبح وأخرج لسانه النجس وإذا لم يحملها نبح أيضًا وأخرج لسانه النجس !!
وأخيرا نجد الضمير الغائب "هن" وهذا الضمير بالذات ورغم أنه يصنف بالغائب إلا أنني أرى هن أبعد كل البعد عن تفريغ ثوابتهن وعظمتهن ووطنيتهن .. تظل "هن" أمي وأمك وأختي وأختك وزوجتي وزوجتك وجدتي وجدتك .. هن لو وضعتهن على كفة ميزان ووضعت هم على كفة أخرى من نفس ذلك الميزان لتهاوت وسقطت على الفور كفتهن .. أي كفة "هن" فتحية لنساء مصر وأمهات مصر الشريفات العفيفات العظيمات اللهم سوي النذر اليسير من بعض النسوة اللائي نسوا الله فأنساهم أنفسهن وعددهن قليل للغاية.
أيها السادة أفيقوا من سيطرة وهيمنة الضمائر الغائبة .. ارجعوها إلى كتب النحو والصرف والبلاغة .. أزمتنا الآن هي أزمة ضمير وخلق .. سينصلح الحال إذا أخلصنا النية والضمير .. وأولى محطات الإخلاص في الضمير هي أن تخلص مع الله أولاً !! ... إن حدث ذلك ستتوالى سطوة الضمائر الغائبة وسيعود هو بصحبة هي وبرفقة هما ومعهما هم وهن إلى ديارهم القاطنة بين أغلفة أمهات الكتب الفقهية النحوية أو الكتب الدراسية للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية أو إلى جنبات وأروقة مكتبات كليات دار العلوم .
ألم يحن الوقت للتخلص من الضمائر الغائبة !!