مقالات

رجب الشرنوبي يكتب.. سياسة مصر الخارجية بين المتغيرات الدولية وطموحات الكادحين البسطاء (2)

خط أحمر

أدرك الرئيس السيسي منذ الوهلة الأولى أنه لا يمكن لمصر أن تكون دولة قوية وذات سيادة كاملة غير منقوصةً وقواتها المسلحة تعتمد على مصدر واحد في التسليح والصيانة لقواتها المسلحة، خصوصاً إذا كان هذا المصدر هو الراعي الرسمي لذلك الكيان الصهيوني المغتصب للأرض العربية أو مايسمي "دولة إسرائيل" والتي ستظل صخرة على صدور كل المصريين والعرب مهما وُقعت معها من اتفاقييات أو أُبرمت معها  من عهود.

حتى لو كان هذا التسليح  جزء من المعونة الأمريكية أو تعهدات أمريكا لمصر بناء على ما تم التوصل إليه من خلال اتفاقية السلام مع إسرائيل وبرعاية الولايات المتحدة نفسها،  أي أن المعونة حق أصيل لمصر وليست منهً من أمريكا أو غيرها.

ورغم ذلك لم يجد الرئيس السيسي بديلاً عن إتخاذ مصر مساراً مختلفاً لما كانت تتبعه القيادة السابقة "الرئيس مبارك" فمصر لم يكن لها قيادة سياسية في الفترة بين يناير وأحداثه ويونيو وثورته،  مع كامل التقدير لدور المستشار عدلي منصور ودوره الوطني في الحفاظ علي قوام الدولة المصرية،  في فترةً من أصعب الفترات التي مرت بها مصر، ومع هذه القراءة المتأنية للقيادة السياسية للأوضاع في المنطقة والمعطيات الجديدة ، لم يكن أمام الرئيس السيسي بديلاً اعتماد التنوع في مصادر إعادة تسليح القوات المسلحة ، ليصل بها إلى المستوى اللائق الذي يحفظ للمصريين شموخهم وعزتهم وحرية قراراتهم، ومن هنا كان التعاون مع فرنسا وألمانيا وروسياوالصين وإيطاليا في المجال العسكري، وعقد العديد من صفقات السلاح وبرامج التدريب التي يستطيع الخبراء والمحللين العسكريين الحديث عنها بشكل أفضل،  كان اختيار القيادة السياسية عقد مثل هذه الصفقات بما يضمن عدم اعتماد مصر على المصدر الواحد في التسليح ، حتي لو تطلب هذا بعض التضحيات التي يجب أن يصطف المواطن فيها جنباً إلى جنب مع الدولة،  فلا غنى للدولة عن مواطنيها ولا كرامة إنسانية لمواطن في وطن ضعيف، ومن هنا بدأنا نشعر أن الرئيس السيسي لا يود الاعتماد على سياسة الاعتماد على القطب الواحد حتى لو كانت الولايات المتحدة ، تلك الدولة التي تحيا منذ منذ عهود معتقدة أنها الحاكم بأمره في هذا العالم، مع الاحتفاظ معها على علاقات مستمرة ولكن بشكل أكثر توازن وصون   للكرامة الوطنية المصرية ،  فمن سنن الله في الكون وجود أكثر من قوة متقاربة تتتعارض مصالحها مع الولايات المتحدة، حتى يكون هناك ضمانة لاستمرارية العالم وإعمار الأرض، فما كادت شمس الاتحاد السوفيتي السابق أن  تغيب، حتي ظهرت قوى جديدة مثل الصين وألمانيا إضافة إلى روسيا "بقايا الاتحاد السوفيتي السابق" واليابان علاوة على كيانات عظمى كالاتحاد الأوروبي وغيرها من التكتلات الإقليمية، والتي يمكن أن تكون حجر عثرة في طريق جبروت أمريكا، ومن هنا كانت فلسفة الرئيس السيسي في الانفتاح والتواصل مع كل القوى المؤثرة في العالم، فكانت البداية والاتجاه نحو الشرق وزيارات متكررة لروسيا والصين تبعها زيارات لكل العواصم الفاعلة في كل الاتجاهات، ومن المؤكد أن هذه الزيارات يصاحبها توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والعلمية وغيرها في كافة المجالات، فالوفود من الوزراء المعنيين والمتخصيين في كل المجالات عادة تصاحب الرئيس في جولاته الخارجية ، وفي ذات الوقت يعمل الرئيس بالتوازي مع ذلك على إعادة مصر إلى ريادتها الأفريقية والعربية، بمد جسور التعاون المثمر مع القادة العرب والأفارقة، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة التي تحفظ لمصر قاعدة دعم أفريقية وعربية تنطلق منها إلى المحافل الدولية، بشعور يملؤه الثقة والقدرة على التفاوض على مصالح مصر الخاصة والمصالح المشتركة مع هذا الظهير والسند الأفريقي والعربي بثقة وإحترام للذات وصون للكرامة الوطنية، حتى أن مصر التي علقت عضويتها في الاتحاد الأفريقي بعد ثورة يونيو هي الآن من تتربع على عرش الاتحاد الأفريقي.

إلي أن نلتقي في الحلقة القادمة إليكم خالص تحياتي

رجب الشرنوبي سياسة مصر الخارجية طموحات الكادحين البسطاء خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة