مقالات

سارة درغام تكتب.. ” مَدِينةٌ لنفسي بالاعتذار”

خط أحمر

مؤخراً أصبحت استبدل كلمة أنا آسف بكلمة شكراً.. ولكن لا بد من أن استخدم كلمة آسف لنفسي قبل أن استخدمها لأحد.

قرأت في مرة جملة استوقفتني" إنني مدينة لنفسي بالاعتذار" ظلت أفكر في كل المرات التى أرسلت فيها رسالة اعتذار أوعتاب لشخصٍ ما سواء من عائلتي أو لأحد أصدقائي، أو حتى لشخص مر بالشارع و تخبطُّ فيه عن دون قصد.. والأهم لربي، اعتذرت له عن كل الأخطاء التى ارتكبتها أوعن ذنب والتمست غفرانه عن كل مرة شعرت فيها بالذنب تجاه شخص لسببٍ ما.

وعندما قرأت هذه الجملة مرة أخرى فكرت في كل لحظة ظلمت فيها نفسي، ولم أفكر لحظة فى الاعتذار لنفسى وشخصي خاصة وأنني لا أمتلك الشجاعة الكافية للنظر للمرآة والاعتذار فيها لانعكاس المعروض أمامي، ولكن ها أنا قررت أن أكتب اعتذاراً صريحاً.. اعتذار لنفسي من نفسي.

اعتذاري هذا لا يعني أنني ملاكاً و أنني لا أخطأ و قد جَّل من يخطىء و لكن على الأقل أن لا أمارس وضع الضحية المغتصب حقها، و أن البشر غير معصومين من الخطأ، و لكن اعتذاري لنفسي هذا لا يعني أنني أبرر وأنني دائماً على حق، فعلى الرغم من أن كل شيء تقوم به في يومك الطبيعى متعلق بك وبنفسك سواء بالسلب أو بالإيجاب إلا أننا فى معظم الوقت ننساها وننسى أن نسيانها مع الوقت قد يؤدي إلى فقدانها والتحول لشخص غريب عنك.. حكايات وقصص لأشخاص فقدوا هويتهم الحقيقية مع مرور السنين والأيام.

قليلون هم من يعرفوا القدر الحقيقي لأنفسهم ويقدرون هذا القدر جيدًا.. قليلون من يتمسكوا بأنفسهم رغم التقلبات والتغيرات والتحولات والمؤثرات والإغراءات من حولهم الكفيلة بتحويل أي إنسان إلى فرانكشتاين.. ولأن تجاهل ونسيان شيئا ما يجعلنا نفقده شيئا فشيئا مع الوقت فقد قررت كتابة هذا الاعتذار لنفسي عن كل فترة حتى لا أفقدها أو أنساها وهى التى تتحملنى وتغضبنى والوحيدة التى تشاركني كل لحظات حياتي وهى الوحيدة الباقية والأخرون زائلون.

اعتذر لنفسي عن كل لحظة قمت بها بالاستعلاء أو الشعور بالغرور عليها رغم معرفتى الوثيقة بنفسى وما أنا عليه بالفعل، اعتذر لنفسي عن كل مرة قمت بالإستهانة بها وبقدرتها غير المحدودة على تخطي الصعاب وحل المشكلات والخروج بحلول فريدة، وعلى كل لحظة أوخطوة كان يجب عليّ أن أُهنىء نفسي على كل إنجاز حققته و كل مرتبة وصلت إليها.

اعتذر لنفسي عن تقليلي منها فى بعض الأوقات والتبخيس من حقها فى معظم الأوقات.. اعتذر لها عن عِندي الذى ولدت به وورثته لا أعلم من أين و لكن أعتقد أنه ولد معيّ.. اعتذر لها عن الضغط على أعصابي وتحاملي عليها وإلزامها فى بعض الأحيان بعمل أشياء فوق قدراتها.

اعتذار على كل مرة ارتضيت أن أهينك أو أجعلك صغيرة بتصرفات لم أزنها قبل أن أفعلها ولم أفكر فيها كثيراً وبعقل راجح قبل أن أقدم عليها.

اعتذر لنفسي عن كل مرة قمت بالاعتذار لشخص لم أخطئ فى حقه ولم يكن يجب عليّ الاعتذار له، عن كل مرة كنت أصمت عن ظلم الناس لها، عن التزامي الصمت.

اعتذر لنفسي عن كل مرة كذّبتها وصدقت أشخاص غيرها تبين أنهم الكاذبون لاحقا، اعتذر عن كل مرة كذّبت إحساسي وغريزتي والقيت عليها اللوم.

اعتذر لها و أدين هذا الاعتذار عن حبيب تركته يجرحني ويهزمني ويقلل منها ومن مشاعرها وصمت بداعي الحب والعاطفة، اعتذر لقلبي لأني أتعبته كثيرا في لحظات حبي، وعن جرعات الألم التي لم تنته، ونزعته من قلبي وبدون تردد لأهبه لغيري.

اعتذر لها عن كل شخص لطيف ظريف ارتاحت له ووبختها واصريت على إخراسها، اعتذر لنفسي عن كل صديق وفي خسرته وعن كل صديق سوء أجبرها على تصرفات وأفعال كرهتها وندمت عليها وفعلتها لمجرد المجاملة والسير مع التيار.. اعتذر لها عن كل مرة أقنعتها والزمتها بالتغيير وجعلتها ترتدى ثوبا لا يليق بها ويضيق الخناق عليها أو رداءا واسعا تركتها فيه تتأرجح فيه وتجري تائهة باحثة عن مكانها المناسب..اعتذر لها لأني جعلتها تتسم بطابع الحزن والآلم حاصرتها.

ولازمت اليأس في محنتي.. ومكابرتي و قسوتي عليها، فلقد كانت سعادتي الوهمية تتكوَّن في صمتي، من الممكن أن تكون هذه الكلمات تافهة، ساذجة، كلمات ليست هامة على الرغم من قدرتها على تذكيرك كل فترة بنفسك.

فأنا واثقة أن تلك الكلمات ستجعلك تتذكر كل موقف و ذكرى أحببت فيها نفسك و مواقف أخرى خسرتها، وأخيراً و في الاعتذار الأخير، أعتذر"لكلمة أعتذر"، لأني أدخلتها في بحور شتى و جدالات من الاعتذار فشكرًا وعذرًا.

سارة درغام مَدِينةٌ لنفسي بالاعتذار خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة