الدكتور محمد اليماني يكتب: التحول الرقمي في مصر


بحكم تخصصي كمهندس استشاري نظم معلومات، وخبراتي السابقة مع برنامج الحكومة الإلكترونية لميكنة الأعمال في قطاع الكهرباء، ومتابعتي لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، للحكومة خلال توصيات مؤتمر الشباب في نسخته السابعة، بإطلاق المشروع القومي للتحول الرقمي وتنفيذ منظومة الحوكمة على مستوى الدولة، وما أعلنه مجلس الوزراء مؤخرا خلال اجتماعه الأخير الذي عقده بمدينة العلمين الجديدة أنه من المقرر إطلاق منظومة التحول الرقمي اعتباراً من بداية شهر أغسطس الجاري، هذا كله يؤكد أن الدولة المصرية تسعى إلى بناء مجتمع رقمي واقتصاد رقمي ووطن رقمي على نحو يضمن التحول إلى مجتمع رقمي مبني على إنشاء منصات رقمية لإثراء التفاعل و المشاركة المجتمعية الفعالة بما يساهم في تحسين تجربة المواطن والسائح والمستثمر في مصر واقتصاد رقمي لتطوير الصناعة وتحسين التنافسية والتأثير الإيجابي على الوضع الاقتصادي وتوليد الوظائف المعرفية و تقديم خدمات أفضل للمستفيدين، ووطن رقمي لتحفيز الإبداع من خلال استقطاب الاستثمارات والشراكات المحلية والعالمية في مجالات التقنية والابتكار والحد من الفساد والبيروقراطية في ضوء تحقيق المزيد من الشفافية وتيسير إجراءات الخدمات وتوفير الوقت والجهد.
تعرَّف الخدمة الحكومية الرقمية بأنها سلسة من الأنشطة أو الإجراءات أو العمليات التي توفرها جهة حكومية أومن ينوب عنها في تقديمها، لتلبية احتياجات المستفيدين بصورة متكاملة رقميًا عبر قنوات موحدة لتقديمها بشكل تفاعلي، وبذلك تعود الفائدة على جميع شرائح المجتمع )المستفيدين) بحيث تشمل:
-1المواطنين: توفير حياة أفضل من خلال تقليل الجهد والمال والوقت للمواطنين، وتسهيل الوصول للبيانات لرفع المشاركة المجتمعية والاستفادة منها.
.2 المستثمرين: تشجيع الاستثمار في مصر وجذب مستثمرين جدد من خلال تبسيط وتسهيل الإجراءات، وتوفير بنية تحتية متينة.
.3 المقيمين والسياح: تسهيل الإجراءات لتوفير حياة أفضل لهم
.4 الجهات الحكومية: الشفافية ورفع الكفاءة وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى مشاركة البيانات التي تسهم في التنمية الاقتصادية.
ولضمان نجاح الاستراتيجية لابد من وجود حوكمة مؤسسية E-Governorance ممنهجة ومتينة وذلك بإيضاح أدوار آلية التشارك مع جميع المستفيدين لضمان المضي قدما في عملية التحول الرقمي الفعال للجهات الحكومية وخدماتها، وبناء عليه تمت صياغة الحوكمة المؤسسية لتكون على ثلاثة مستويات أو مراح متعاقبة بشكل دوري وهي ( التخطيط، والتنفيذ، والمراقبة والتقييم ).
ويعد" التحول الرقمي "من أبرز الملفات التي طرحتها الحكومة بهدف تقديم خدمات متميزة للمواطنين من خلال معاملات إلكترونية، والتي تُسهم في القضاء على الفساد، من خلال مشروع التحول لمجتمع رقمي يهدف إلى إتاحة الخدمات الرقمية بطرق بسيطة، وتكلفة ملائمة في أي وقت وأي مكان لجميع المؤسسات والمواطنين من خلال تطوير منظومة رقمية متكاملة مؤمنة على المستوى القومي، وكذلك تحفيز الصناعات الرقمية من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل عن طريق دعم وتنمية الصناعة الرقمية والإبداع التكنولوجي، وإنشاء ممر مصر الرقمي لضمان تحقيق الاستغلال الأمثل لموقع مصر الجغرافي لتصبح مركزًا عالميًا لخدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ويعد أمن المعلومات أحد أهم العوامل لضمان تحقيق هذا التحول وتعزيز منظومة الشمول المالي، والتي تعمل عليها الحكومة حاليًا، وسيكون هناك دور لكل وزارة في هذا الملف وذلك تنفيذًا لبرنامج "مصر تنطلق" لتحقيق غد أفضل.
ونعلم يقينا أن هناك العديد من التحديات والعوائق التي تعرقل عملية التحول الرقمي داخل المؤسسات والشركات منها نقص الكفاءات والقدرات المتمكنة داخل المؤسسة والقادرة على قيادة برامج التحول الرقمي والتغيير داخل المؤسسة، كما أن نقص الميزاينات المرصودة لهذه البرامج تحد من نموها، علاوة على التخوف من مخاطر أمن المعلومات كنتيجة لاستخدام الوسائل والوسائط الإلكتروتنية يعتبر أحد أكبر العوائق خصوصا إذا كانت الأصول ذات قيمة عالية، هذا بجانب ضرورة رفع ثقافة المواطن التكنولوجية، واستحداث منبر لنشر ثقافة الأمن المعلوماتي والتعامل السليم مع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات.
إن المجتمع الرقمي هو المجتمع الحديث المتطور الذي يتشكل نتيجة لاعتماد ودمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنزل والعمل والتعليم والترفيه والصحة والصناعة وغيرها، ولا تنفصل في هذا المجتمع الثقافة والتجارة، وهو مجتمع ينمو ويزدهر اقتصاديًا إذا توفرت لمواطنيه الحرية والأمن وحماية الحقوق، ولاشك أن حرص الحكومة على التحول لمجتمع رقمي يحتاج لآليات متمثلة في الشمول المالي والحكومة والحكومة الإلكترونية والحوكمة والاقتصاد غير النقدي، وتوافر بيانات ومعلومات صحيحة ودقيقة عن المواطنين، سواء عن الاستهلاك والدخل والتعداد السكاني والطلب والعرض على السلع والخدمات في السوق، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية والسياسية.
وأكد السيد رئيس الجمهورية خلال جلسة التحول الرقمي بمؤتمر الشباب في ثاني أيامه بالعاصمة الإدارية الجديدة أن التحول الرقمي يضع مصر في مكانها الذي تستحقه، وأنه خلال عام أو عامين على أقصى تقدير، سيكون هناك تغيير كبير في أداء الحكومة المصرية، بعد انتقالها للعاصمة الإدارية الجديدة، بمقرات الوزارات، وأنه إذا كنا نريد أن يكون أداء الدولة مرضٍ لتطلعات وآمال شعبنا، كان لا بد من التحرك في اتجاه رقمنة العمل الحكومي.
تستعد مصر لإسدال الستار على المعاملات الورقية التقليدية التى دامت قروناً منذ تعريب «الدواوين» فى عصر الدولة الأموية وذلك من خلال تدشين منظومة التحول الرقمى العام المقبل، والتى بموجبها ستودع مصر عقوداً من «التسليم والتسلم» كان فيها «السركى» حاكماً لأى صادر أو وارد من المستندات والمخاطبات بين الجهات الرسمية، ولننطلق مع العالم نحو السيارات الذكية والتجارة الإلكترونية والمدن الذكية.
‘ن الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي تهدف إلى تأسيس اقتصاد رقمي يمكن الأفراد والقطاعات والشركات من رفع الإنتاجية وضمان النمو والازدهار، وخلق مكان تجاري محفز لاستقطاب كم هائل من الاستثمارات والشراكات الدولية، ولتمكين ذلك ينبغي التأكيد على سهولة وسرعة وكفاءة تقديم الخدمات الحكومية من خلال رحلة التحول الرقمي للجهات الحكومية وذلك بغية تبسيط الإجراءات لتمكين الأفراد والشركات من إنشاء وتنمية مشاريعهم الاستثمارية بيسر و سلاسة، وفي ضوء ذلك يجب أن تسعى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لعقد ورش عمل ومجموعة من جلسات العصف الذهني مع الجهات الحكومية وممثلي المجتمع المدني و القطاع الخاص وبالتعاون مع المنظمات الدولية، با لإضافة إلى دراسة التقارير الدولية ذات العلاقة بالحكومة الإلكترويية و لاسيما مسح الأمم المتحدة للحكومات الإلكترونية، وعمل مقاربة معيارية مع الدول المجاورة، وذلك من أجل صياغة الأهداف الاستراتيجية والمحاور الأساسية التي يتوجب على الحكومة تبنيها لتحقيق التحول الرقمي الفعلي للخدمات الحكومية.
وختامًا: علينا جميعا أن نسعى إلى تضافر كافة الجهود لتحتل مصر مكانتها اللائقة على كوكب الأرض، بما يليق بحضارتها وتميز شعبها وقيادتها.