جمال رشدي يكتب.. لقائي مع السيد الرئيس


في يوم كنت جالس في البيت وبفكر في أحوال مصر وكنت بفكر أكتب إيه في مقالي القادم، دق جرس هاتفي فقلت ألو .. قاليّ حضرتك جمال رشدي .. أيوة نعم يا فندم.. قال لي أنا فلان الفلاني من رئاسة الجمهورية.. فقلت والله ما ناقصة تهريج .. أنت مين.. قال لي يا فندم أنا مش بهرح .. أنا فلان الفلاني.. قلت له لما أشوف آخرتها إيه معاك أهلا وسهلا.. قال ليّ سيادة الرئيس عاوز يقابلك ضروري بكرة.. كمان سيادة الرئيس.. قال ليّ من فضلك الأمر ضروري ولازم تكون الساعة واحدة بكرة في الاتحادية .. وكمان عاوز تعمل فيا مقلب وتخليني أضرب مشوار من المنيا إلى الاتحادية في عز الحر والجو نار حرام عليك يا أخي.. ضحك الرجل وقال من فضلك صدق معاك رئاسة الجمهورية.. قلت له والدليل إيه.. قال ليّ خمس دقائق وتتأكد واستأذن منيّ وقفل الخط وبعد دقائق رن صديقي الصحفي الكبير المقرب من الرئاسة وقال ليّ لازم بكرة تكون في الاتحادية ضروري. قلت له دا فعلا الموضوع جد. قال ليّ أيوة الريس عاوز يقابلك ضروري. قلت الريس مرة واحدة. طيب سلام علشان أرتب نفسي. جريت على الدولاب علشان أشوف بدلة كويسة ألبسها. وأنا بقلب في الدولاب جت تحت إيدي جلبيتي الفلاحي الصعيدي مسكتها وضحكت وقلت لنفسي أنت اتجنيت يا جمال تدخل على الريس بجلبية فلاحي.
وقفت وفكرت وقلت والله فكرة حلوة جدا وليه لا.. كويت الجلبية وظبطها. وتاني يوم الصبح لبستها وروحت المحطة وركبت أقرب قطر. المهم وصلت القاهرة وعلى الساعة 12.30 كنت أمام قصر الاتحادية. دخلت على الحرس قلت لهم عندي ميعاد مع الريس الساعة واحدة.. طبعا الضابط نظر ليّ وضحك يفكرني بهرج معاه.. أنا كمان ضحكت قلت له حلوة الجلبية الصعيدي.. قال ليّ أنت منين قلت له من عروس الصعيد قال من المنيا قلت له أيوة.. قال منين في المنيا قلت له من سمالوط لقيته قال منين من سمالوط قلت له إيه حكايتك قال ليّ أصلا أنا من سمالوط .. قلت له أنا من البيهو، خرجت له البطاقة بص فيها وضرب مئة واحداشر حوالين حاجبه وقال ليّ معقول قلت له إيه قال أنت جمال رشدي أنا أسمع عنك وبقرأ مقالاتك.. أخذني بالحضن والترحاب وقال ليّ أنا الظابط فلان ابن الحاج فلان من شارع أبو زهران من سمالوط، وحاول يعزمني على حاجة قلت له الله يخليك علشان الميعاد لما أخلص المقابلة نبقى نقعد مع بعض براحتنا، قال ليّ لحظة اتصل بالتليفون على ما يبدوا بمكتب الرئيس واستفسر عن الميعاد، وبعدها دخل معيّ الظابط السمالوطي ووصلني إلى مدير مكتب الرئيس، لقيت مدير المكتب رجل فاضل و متواضع وبسيط خرج بره المكتب واستقبلني بابتسامه كبيرة قلت له عارف إنك بتبتسم بسبب الجلبية هز دماغه وسكت، جاب ليّ شاي صعيدي، وجه ظابط أخذني لمقابلة الريس دخلت جوا في طرقة طويلة وبدأت أشم ريحة عبق التاريخ والأصالة وحسيت إن الجلبية اللي أنا لابسها جزء من ذلك التاريخ والأصالة.
وعندما قابلت الريس ارتعشت يدي وهي ممدودة بالسلام عليه هو حس بكدا لقيته ضحك وسلم عليا جامد وقال لي إزيك يا صعيدي، أمسكت بيده وبطريقة عفوية وبدون ما أشعر قلت له إزيك يا ابن أحمس، وظلت يدي بيده لمدة لا تقل عن دقيقة وتمالكت نفسي وإذا بي احتضنه حضن حنين مليء بالأشواق وانسالت دموعي من عيني، وإذا بيده يمسح دموعي ويقول ليّ إزيك يا صعيدي ، ونظرت في عينيه فوجد مصر تجلس في بريقها فاحتضنته مرة أخرى، وقلت له إزيك أيها الجنرال الذهبي ابن أحمس.. وجلست أمامه وصمت قليلا حتي جفت دموعي لبدء الحديث.. وقلت له عارف يا ريس دموعي نزلت ليه.. فصمت بانتظار إجابتي، قلت له لأنني عندما احتضنتك سمعت أنفاسك و همساتك وهي بتقول تحيا مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر .. تكلم الريس وقال أهالينا في الصعيد أخبارهم إيه قلت له بيسلموا عليك وبيحبوك..
صمت الرئيس قليلا فقال ليّ: عارف إن الناس ظروفها صعبة وعارف إن الناس بتشكي من غلاء المعيشة .. فصمت، فقال ليّ علشان كدا أنا عاوز أسمعك.. اتكلم. قلت له يا ريس أنا صعيدي وآل في قلبي على لساني مش أعرف اتكلم بطريقة دبلوماسية.. قال ليّ علشان كدا طلبت أقابلك.. أنا عاوزك تتكلم براحتك .. امتلكت نفسي بعد أن وجد أمامي شخص متواضع بسيط ومهتم، إنه يسمعني، قلت له بص يا ريس .. ضحك وقال بصيت يا سيدي، قلت له إدارة الأزمة والمشكلة لها إجراءات وخطوات معينة.. أولها دراسة المشكلة جيدًا، ثم تشخيصها تشخيص سليم وبعد كدا تبدأ عملية العلاج، لأن علم الإدار يقول من المشكلة يأتي الحل، بمعني من مكان المشكلة يبدأ التخطيط للحل وبيد أصحاب المشكلة يبدأ العلاج، استوقفني وقال ليّ تقصد إيه، قلت له مشاكل مصر المتوارثة منذ عقود .. جهل . فقر . تطرف . فساد .سوء إدارة .فقال ليّ متفق معك . فقلت لازم في الأول نبحث عن المكان الموجود فيه تلك المشكلات وهو قاع المجتمع، الحي ، الحارة ، النجع، القرية، العشوائيات، فهز دماغه وكأنه يوفقني التشخيص.. يلزم أن يكون العلاج من تلك الأماكن وبيد الساكنين فيها.. فقال ليّ إزاي، قلت له أنا كنت كاتب دراسة بخصوص ذلك ولفيت بيها على كل أبواب مصر محدش سأل فيا. فأبتسم ونظر ليّ وقال كمل كلامك وكأنه اطلع على تلك الدراسة، قلت له لازم نولد حيز عمراني جديد لكل محافظة يكون ذلك الحيز متضمن مدن صناعية ومدارس ومستشفيات وخدمات وخلافه، لكن قبل كل شيء أنا عندي فكرة، أن تقوم كل محافظة بعمل دراسة شاملة عن محافظتها تذكر فيها السلبيات والإيجابيات، ونشوف الإيجابيات ونبني عليها، مثلا محافظة المنيا الإيجابيات بتاعتها إنتاج العنب والبطاطس والطماطم والقمح والمحاجر والأيدي العاملة.
فمن الممكن أن نبدأ أولا بحيز المحافظة ببناء مصانع لتلك المنتاجات وقبل ما نبني المصانع نحط خطة لكيفية تعبية وتغليف وتسويق وتصدير منتاجات المصانع، طبعا في أرض صحراوية كتير، نصتصلحها ونزرع الحبوب والفواكه والخضروات اللي ممكن المصانع تحتاجها، وطبعا أولاد المنيا يشتغلوا في المصانع ويزرعوا الأرض وطبيعي هيكون في مدينة سكنية جديدة وطبيعي هيكون في مدارس ومستشفيات، يبقي بكدة أنا بدأت العلاج من مكان المشكلة وبيد أولاد المصانع والأرض هيشغلوا ناس، هنا مواجهة الفقر المدارس الجديدة تعلم ناس بنظم حديثة تتماشى مع ثقافة احتياج المصانع والتسويق والتجارة والزراعة وخلافه هنا عالجت الجهل، والمستشفيات هتكون بنظم وطرق حديثة هنا عالجت المرض.. وبكدا أكون سيطرت على التطرف وليد تلك المشكلات.
الفساد هو نتيجة بيروقراطية ثقافة الإدارة عن طريق وضع أسس سليمة للإدارة والبناء في تلك المناطق وأيضا تطبق تلك الأفكار في جميع المحافظات فمنها من يشتهر بصناعة المعدات أو المنسوجات.. إلخ .. هنا إقامة قاعدة صناعية وزراعية متنوعة وراسخة قائمة على الذات الوطنية فيصعب محاربتها من الخارج، وبذلك نكون بدأنا البناء السليم من القاع للقمة.. فنظر ليّ الريس وأيقنت أنه عاوز يسألني في كيفية الإدارة والتمويل.. قلت له لازم يتغير نظام الإدارة المحلية جذريا ولازم الهيئة الهندسية تتولى تنفيذ تلك الدراسة، ونظرت بجانبه فألمحت دراستي التي كتبتها منذ سنوات فقال ليّ طيب والموارد قلت له لازم الأول أقول رأي في كذا حاجة، الفساد والتطرف لا يمكن مواجهته بالقانون المدني، لأنه لا يفل الحديد إلا الحديد لازم تطبق الأحكام العسكرية.. التعليم يا ريس متبهدل في مصر، المناهج حشو في حشو.
المعلم يا ريس الطلبة مبهدلاه، لازم حصانة علمية وتربوية له كثافة الفصول كبيرة جدًا. لازم التعليم يستلم إدارته الجيش على الأقل لمدة خمس سنين.. الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي.. لازم يكون في قانون للمحاسبة… يا ريس قبل ما أنسي كثير من المشكلات محتاجه حزم وقوة علشان لا تتفاقم وأنا من رأي أن أمن الدولة يرجع ذي الأول حتى لو فترة محدودة، هرج ومرج يا ريس لازم يكون في حزم.. ونظرت إليه فوجدته بستقراء كلماتي من جلبابي.. قلت له معظم الشعب معاك يا ريس . قوتك نابعة من شعبيتك. أنا عارف إن الحمل تقيل عليك جدا وعارف إن في حصار عالمي غير معلن على مصر في شخصك.
وقلت له لازم تعرف إن اللي معاك أقوى بكثير ، يا ريس أنت معاك ربنا ودعوات الملايين من المصريين.. عارفك مستحمل كثير وصابر على ناس كتير بتخون وتهدم وتتأمر وتهاجمك، ناس مغيبة أو متعمدة، لو الناس دي قعدت مع نفسها وتخيلت بناتها أو نسائها في أحضان داعش أمام عيونهم كانوا عرفوا قيمتك، لو الناس دي تخيلوا أولادهم طعام لأسماك البحر كانوا عرفو قيمتك.. معلش يا ريس .. فابتسم بروح أبيه أحمس وقال ليّ أبدًا كلهم أولادي …فقال ليّ مرة أخرى كيفية توفير الموارد المالية، فوضعت يدي في جيب سديري الصعيدي تحت جلبابي وسحبت له ورقه فيها ملخص عن كيفية توفير الموارد.. فنظر في الورقة وبصوت عالي طلب مدير مكتبه.. وقال له الآن أصدر قرار بتعيين جمال رشدي.. رئيسا لوزراء مصر.. وإذا بها خالتي تحية اللي بتبيع بطيخ في شارعنا بتقول بطيخ للبيع قمت مفزوعًا من النوم على صوتها.. وجلست على سريري دقائق أحاول أن أنهي حلم مقابلتي لفخامة الرئيس.