مروة صعب تكتب .. حديث الذكريات


عاد الى الوطن بعدما امضى سبعين عام في المنفى، لم يجد نفسه، كان يكلمها لا تجيبه، تراها تغيرت ملامحه و اصبحت رمادية.
يطل من معابد ذاكرته العتيقة و يلوح برايته البيضاء معلناً انتهاء الحرب داخله، لم يعد يريد ان يصارع الغربة، عليه ان يعود الآن، سيعود الى وطن ما عاد يعرفه، سيعود و يرى أن المنزل الذي لعب مع حبيبته الشقراء في باحته قد اصبح مركزاً للتجميل، تأتي اليه النساء كي تزيل مخلفات الزمن عن وجاه ما عادت تلتحم مع ارواحهن ، سيعود الى قبر امه الذي اصبح بعيداً جداً، لم يعد هناك طريق تودي إليه، فقد اختار المسؤولون ان يغلقوا تلك المقبرة كصندوق ذكريات لا يفتح الى عندما تنهشه الذكريات، لعل جميع اقارب من في تلك المقبرة صاروا رهائن منفى و لن يعودوا، حتى أباه الذي فقد اثره في الحرب لن يسأل اذا كان عثر على جثمانه طيلة تلك السنين و لا حتى عن مصير حبيبته الشقراء التي تركها تركض خلف عربته حين قرر مغادرة البلاد، و مع ذلك قرر ان يعود، سيعود الى وطن لم يعد ناسه يتكلمون اللغة التي كان يتقنها، تلك التي تلاشت بعدما أصبح طبيباً أرجنتيناً، و لم يعد يعرف سوى كيف يلقي السلام ويقول "شكراً"، اه صحيح هو الآن يسأل الجميع "كيف حالك" أيضاً ولكن لا احد يجيبه، فالجميع هنا صار" فرنجياً" لا يتقن سوى لغة الصالونات، عيب إن تكلموا العربية...
بثيابٍ تشبه تلك التي يلبسها راقصي التانجو اطلّ رأسه الذي اكله الشيب وراح يجول في تلك التي كانت يوماً ما قريته، و معه شاب عشريني يعرفه على الفنادق التي تقبع جانب بيت جده- الذي كان كذلك-اختار فندقاً يطلع على شجرة عملاقة، اظنها الوحيدة التي تماسكت و حاربت السنين و لم تغير جلدها. َو في المساء جلس يدندن لحن اغنية نسى كلماتها، وراح يلعن الذكريات التي لم يعد يذكر منها شيئاً ثم يلعن نفسه ،و بعد برهةٍ رن هاتفه،
-اين انت؟
-من المتصل؟
-ابي امي قلقة جداً ذهبت الى المقهى التي اعتدت ان الاقيك فيه و لم اجدك،، قال احد أصدقاؤك انك سافرت، في اي بلد انت؟
-لا أذكر اني متزوج.. و لا أدري ان كان لي ابن حتى، مممم أما مكاني
سكت قليلاً "لا لا أذكر.. لا اذكر شيئاً "
-تباً للزهايمر، قد قلت لك الف مرة ان لا تنسى الدواء...
........ بعد سبعين عام حين فقد ذاكرته،، تذكر ان له وطن عليه ان يعود إليه.