مقالات

الدكتور عادل عامر يكتب.. حوكمة الشركات وتطوريها الاقتصادي

خط أحمر

تعد الحوكمة من المواضيع الحديثة التي يتم تداولها في الوقت الحالي ويجب الإشارة إليها وإلى أهميتها في تطوير البيئات التنظيمية (مؤسسات الدولة والشركات المختلفة) وذلك من خلال علاقتها بآليات وإجراءات الإصلاح الإداري الذي يعد أحد العناصر المهمة في نظام الحوكمة الذي يساهم في ضبط العمل وتوجيه العمليات نحو النجاح والتطور المستمر.

مفهوم الحوكمة

الحوكمة -في جوهرها- تعني تطبيق قواعد عامة ومجردة على كافة الشركات والمؤسسات الفردية والعائلية والجماعية والوطنية وتلك التي تملكها أو تديرها الحكومات، كما تستلزم تطبيق قواعد الشفافية والإفصاح وتقديم الإقرارات ونشر المعلومات والمراقبة الفعالة والإدارة الرشيدة للمخاطر والتقييم الدقيق للأنشطة، ويقصد بالشفافية -في هذه الحالة- قدرة الأفراد والجماعات على الرقابة الفعالة والدقيقة وحق الحصول على المعلومات أي إتاحة المعلومات والقدرة على التحليل الدقيق لها ومشاركتها أي علانيتها.

وما يتصل بذلك أيضًا من الإفصاح عن الموقف الحقيقي للشركات والمؤسسات من حيث أنشطتها ووضعها المالي والقانوني، ولا شك أن ذلك يثير معضلة مركبة، فكيف يمكن المواءمة بين حق الناس في المعرفة من ناحية وحق الشركات والمؤسسات في الخصوصية من ناحية أخرى، كما أنها تثير كذلك معضلة الحوكمة من الناحية القانونية وثقافة الحوكمةCulture of Governance  (CoG) سواء داخل الشركات والمؤسسات أو بين الشركات من ناحية والمواطنين من ناحية أخرى، ولا شك أن تطبيق قواعد الحوكمة والشفافية والإفصاح يزيد من القدرة على المسائلة نظرًا للدفع بالحقائق بما يطلق عليه الإفصاح النشط، وهو ما يؤدي كذلك إلى ما يسمى بـ”حلقة المعلومات والشفافية” Information- Transparency Cycle ، بمعنى أن الإفصاح يؤدي إلى الشفافية والشفافية تؤدي إلى تحسين جودة المعلومات، وكل ذلك يعمق من ثقافة الشفافيةCulture of Transparency (CoT) لدى مختلف أطراف العملية الاقتصادية، والحوكمة بالمعنى السابق ليست وليدة اليوم ولكنها تعود للقرن الثامن عشر خاصةً عام 1722 في بريطانيا.

ويعتبر موضوع حوكمة الشركات Corporate Governance هو موضوع الساعة الذي يهم كل من البلدان المتقدمة والنامية علي حد سواء وتهتم به العديد من الدوائر الاقتصادية والمالية والقانونية في جميع أنحاء العالم؛ فمع العولمة وانهيار الحواجز التجارية والعوائق الخاصة بانتقال الأموال من الدول تتزايد أهمية هذا المفهوم في كل بلدان العالم علي حد سواء.

العلاقة بين حوكمة الشركات والدولة

تلعب حوكمة الشركات دورًا مهما في تغيير العلاقة بين مجتمع الأعمال والدولة، ومن هنا فإن العلاقة الضبابية بين رجال الدولة وبعض شركات القطاع الخاص من شـأنها أن تقوض الاقتصاد وتقضي إلى انهيار اقتصادي، فالافتقار إلى الشفافية في التعاملات التي تجري بين مجتمع الأعمال والدولة من شأنه أن يؤدي إلى معاملة قانونية وتنظيمية وتفضيلية، وإلى نهب الأصول وهدر الموارد، والفساد، والتي من شأنها جميعا أن تقضي على قدرة الاقتصاد الوطني على التنافسية، من أجل إفادة حفنة من أصحاب الحظوة.

لا يمكن فرض ممارسة حوكمة الشركات حتى إن جاء من أعلى مستويات القيادة، وبشكل مماثل ستجد الشركات صعوبة في الالتزام بالقواعد المنظمة لحوكمة الشركات إن لم يواكب ذلك تحسين المناخ القانوني والتنظيمي الكلي في الدولة، أن المبادئ والقيم الأخلاقية التي تسود الشركة من الداخل، والأطر المؤسسية السائدة في البيئة الخارجية المحيطة هي التي تحكم وضع وتطبيق حوكمة الشركات، ليس فقط لمصلحة الشركات بل لمصلحة المجتمع ككل.

وفي كثير من الدول تسعى القوانيين المحلية للاتساق مع تلك المعايير التي تعتبر دولية في حد ذاتها، وفي مجال حوكمة الشركات توجد قواعد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن حوكمة الشركات، وكثير من الدول شرعت في المطالبة بضرورة تطبيق تلك القواعد كشرط لممارسة العمل، وكذلك التنني الطوعي لمعايير الرقابة الذاتية والتي تمثل الحد الأدنى الذي يفرضه القانون.

حوكمة الشركات بصفتها أداة لمكافحة الفساد

لكل ماسبق وأخذا في الاعتبار ما أنتجته حركة العولمة من تغيرات جدرية في نظام الأعمال العالمي – تزايد الاتجاه في كثير من دول العالم للأخذ بنموذج إداري متطور يواكب تلك المتغيرات ويوفر القدرة على التعامل الإيجابي مع متطلبات تأمين المنظمات والتعامل الواعي مع مصادر الإفساد التي تتعرض لها، كذلك لما اتجهت كثير من الدول النامية والأقل نمواً للتحول إلى أقتصاد السوق وتطبيق برامج خصخصة شركات القطاع العام وإتاحة الفرص الأكبر للقطاع الخاص في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي، بدأت الحاجة إلى وجود نظم ومعايير لضمان سلامة الإدارة في تلك الشركات سواء الوطنية أو الأجنبية حماية للاقتصاد الوطني .

ومع تلك المستجدات في واقع الأعمال، تتأكد مرة أخرى أهمية فرض معايير لجودة الإدارة المحترفة في منظمات الأعمال الوطنية وغير الوطنية، وتبدو أهمية فرض معايير لجودة الإدارة وضمان التزامها بالقواعد والأسس الموضوعية للمحافظة على مصالح الملاك والعاملين والمتعاملين مع المنظمات، وكذلك رعاية حقوق ومصالح المجتمع .

النقطة الجوهرية هنا أن حوكمة الشركات جزء مهم من محاصرة الفساد، وأن أصحاب المصلحة في القطاعين العام والخاص، ومستثمرين ومساهمين ومنظمين …..إلخ – عليهم أن يضطلعوا بدور فعال لتحقيق هذا الهدف، الذي يتحقق من خلال مجالس إدارات يتحمل أعضاؤها المسئولية الكبرى في إرساء مبادئ وقيم الأخلاق والنزاهة التي تضع الأساس لثقافة كيفية أداء المنظمات لعملها، وتنطبق هذه النقطة الجوهرية بنفس القدر على اية نوعية من المنظمات سواء كانت عالمية أو محلية.

إن الحرب على الفساد تبدأ بالقيادة وسيادة القانون والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المؤثرة، تلك القيادة التي تتطلب قدراً عظيماً من الالتزام الشخصي والشجاعة والمثابرة، تحدوها قيم ومبادئ اخلاقية قوية لمواجهة وإنهاء الممارسات الفاسدة التي تنتج للأفراد إساءة استغلال سلطة الوظيفة المولولة إليهم من أجل مكاسب شخصية.

الحوكمة و الاقتصاد الليبي 

في حقيق الأمر مازال هنالك العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة، من فقر وتأكل للبنية الأساسية، ومحدودية في النفاذ إلى الموارد الأساسية، وافتقار في الوظائف في القطاعين العام والخاص، وما أزمتا السكن وغلاء الأسعار البازغتان سوى تجسيد لتلك المشاكل والتي يجب أن يأتي حلها على رأس أجندة كل من يشارك في التنمية والبناء، إذ أن مشاكل المواطنين التي لم يتم التعامل معها تنسف مشروعية الحكومات وتقضي إلى انتكاس لمسار الإصلاح الديمقراطي وإصلاح السوق.

من هنا فإن حوكمة الشركات تساعد كثيراً على التعامل مع هذه المشاكل، كما تمثل حلًا  فعالاً للشللية والمحسوبية والقبلية والمحاباة.

حيث أن تطبيق الحوكمة الرشيدة للشركات على المشروعات المملوكة للدولة المزمع خصخصتها يمكن أن يلعب دوراً مهماً في إعداد تلك الشركات للتحديات الجديدة التي تفرضها الملكية الخاصة، فقد اتضح عند دراسة ميرات الخصخصة في الاقتصادات المتحولة خلال التسعينات أن الكثير من الفساد، واستغلال المساهمين، وإساءة  استغلال المنصب الذي أفرزته يمكن أن يغزي مباشرة إلى فشل الدولة في إرساء آليات حوكمة فعالة، فقد كان نهب الأصول وتسريب رأس المال على يد المديرين، كلها من ملامح الرأسمالية الغربية الشرسة والتي ضربت العديد من الاقتصاديات الشيوعية السابقة، فساهمت في الإساءة مبكراً في مفاهيم الرأسمالية والديمقراطية، لذلك فلحوكمة الشركات دوراً محوري تستطيع أن تلعبه ليس فقط في تجهيز المؤسسات للخصخصة ولكن أيضاً في تحاش التشويه المحتمل للأسواق الذي قد يحدث عندما يتم خصخصة الشركات دون وجود رقابة داخلية فعالة، وآليات انتظام التقارير المالية وضمان وحماية مصالح المواطنين.

فظاهرة حوكمة الشركات لها تأصيل علمي يعكس المفاهيم والإجراءات المتعلقة بعناصرها كما أن ظاهرة حوكمة الشركات تمثل ظاهرة عالمية تصدت لها معظم دول العالم واتخذت في مقابله الإجراءات الكفيلة بتحقيق النجاح.

الدكتور عادل عامر حوكمة الشركات وتطوريها الاقتصادي مفهوم الحوكمة العلاقة بين حوكمة الشركات والدولة حوكمة الشركات خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة