خالد السيد يكتب.. مهنة المحاماة والمستشار القانوني


مهنة المحاماة… حظيت بكل العناية ونالت كل الاحترام من مختلف الحضارات والأنظمة البشرية والسياسية لعظمة رسالتها وخطورة مسؤوليتها فهي ضمانة للحق وسياج للحرية، تمارس من خلال سياقين متداخلين الأول هو الدفاع عن الحقوق والحريات على تعددها وتشعبها، والثاني تقديم النصح أو المشورة أو ما يعبر عنه بالرأي في مختلف مجالات القانون سواء تعلق الأمر بالجوانب المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية ….الخ.
ولما لها من أهمية بالغة باعتبارها من بين أهم العمليات الحيوية في مجال المهن الحرة لأنها تساعد على الاستعانة بآراء أهل الخبرة والاستفادة من مهارات أصحاب المعرفة، حيث تلعب دورا مؤثرا في اقتصاديات الدول واستثماراتها ووضعها الائتماني، ومن خلالها يمكن رسم السياسة العامة والخطط المستقبلية التي يتم إطلاقها على مدار السنوات القادمة، فإذا كان التقاضي محصورا بحدود الدولة ومرتبط بسيادتها، فإن محيط الاستشارة القانونية لا يعرف حدوداً حيث أصبحت المحاماة تمارس من خلال كيانات وشركات عالمية تؤدي خدمات استشارية على مستوى دولي لأفراد وشركات من دول متعددة من خلال الاستشارات عابرة القارات.
ولأن المحاماة فن وصناعة يقدم من خلالها المحامي بصورة احترافية خبراته ومعلوماته القانونية في صورة استشارات ومذكرات ومرافعات، فالاستشارة القانونية كعمل من أعمال المحاماة لها أهمية كبيرة حيث يجنب الأفراد الوقوع في الخسارة كما تساعد على حماية الحقوق واقتراح الحلول القانونية، ولأنها غير قاصرة على إعطاء رأي قانوني بل تشمل تقديم المذكرات والدراسات القانونية وتنظيم العقود ومراجعتها وأعمال التحكيم والاشتراك في المفاوضات إلى جانب الموكل، وبالتالي فهي تتخذ طابع إجرائي تستلزم العمل على تقديم حل عملي وليس مجرد التأمل، لذلك نجد على سبيل المثال المشرع المصري في قانون مزاولة مهنة المحاماة متشددا في قصر ممارسة الإفتاء وإبداء المشورة القانونية بصفة منتظمة أو القيام بأي عمل أو إجراء قانوني للغير، على المحامين، وإن كانت هناك آراء فقهية تنادي بالفصل بين ممارسة مهنة المحاماة ومهنة المستشار القانوني.
ومن أفضل التعريفات للاستشارة القانونية هو ما ذهب إليه الفقه الفرنسى بأنه: اتفاق بين الاستشاري القانوني، المحامى، يلتزم بمقتضاه أن يضع تحت أيدي طالبي الاستشارة يسمى عميل، كل الوسائل القانونية التي تمكنهم من اتخاذ القرارات المناسبة الصحيحة بشأن مسألة قانونية، حيث أن الاستشارة القانونية جزء لا يتجزأ من أعمال المحاماة التي تتكون في الأصل من شقين: شق الدفاع و المدافعة عن الموكلين فى قضاياهم المختلفة و المتنوعة.. وقسم تقديم الاستشارة القانونية الصحيحة بعد الاطلاع على كافة المستندات والوثائق والأوراق التي تمكن المستشار القانوني من الإحاطة بجوانب المسألة القانونية لإعطاء الرأي القانوني السليم بشأنها.
والاستشارة القانونية تعد أهم أدوات أعمال مكاتب المحاماة فى العالم ونالت حيز كبير من الدراسات الأجنبية أكثر مما كُتب فى الدراسات القانونية العربية.
ينبغي على المحامى أن يتقن أعمال الاستشارة القانونية التي تختلف عن الاستشارة الحياتية العادية.. بأنها موضوعية و مدعومة ومسنودة بالقواعد القانونية واجبة التطبيق. . وعليه أن يحيط بجميع موضوعات المسألة القانونية المعروضة عليه وأن يتقن طرح الأسئلة حولها قبل إسداء رأيه القانوني، حتى لا يعطى استشارة غير صالحة للمسألة أو غير موجهة لتمكين صاحب المسألة القانونية من اتخاذ الإجراءات الصحيحة.
واختلف الرأي حول أساس التزام المحامي بتقديم الاستشارة القانونية فقد اعتبره البعض عقد مقاولة على اعتبار أن المحامي يقوم بعمله استقلالا لصالح موكله لا يكون خاضعاً له مقابل أجر.
ونري أن عقد المقاولة عقد ملزم لا يستطيع أحد أطرافها إنهائه بإرادته المنفردة دون التحمل بالالتزام المتمثل في التعويض وهذا ما لا يخضع له مركز المحامي فهو لا ينبني على مبرر معقول، ناهيك عن أن عقد المقاولة يكون موضوعه غالبا أعمال مادية ولا ينصب على تصرفات قانونية، بينما ذهب البعض الآخر إلى اعتباره عقد عمل وهذا ما عليه القضاء المصري حيث حكم بتوافر علاقة العمل بين المحامي والمستشار والشركة يحكمها قانون العمل نظراً لتوافر عنصري التبعية القانونية والأجر.
وإن كنا نرى مع الرأي الغالب أنه عقد من العقود الغير المسماة، أي عقد من نوع خاص كقاعدة عامة الاستشارة القانونية المنصبة على النصوص و القواعد القانونية والتي تنتهى إلى رأي قانوني لحل مسألة قانونية تعد عملا من أعمال المحاماة يقدمها المحامي لطالبي الاستشارة بناء على عقد خاصة في الحالة التي يكون فيها موضوع العقد ينحصر في تقديم الاستشارة القانونية دون ان يتعدى ذلك فيستمد أحكامه من الاتفاق الحاصل بين أطرافه فيصبح تكييفه على أنه عقد غير مسمى وهو الأدعى للقبول في ظل القصور التشريعي في عدم تنظيم العلاقة بين المحامي بوصفه مستشار ا قانونياً وبين طالب المشورة بالرغم أن المشرع المصري على سبيل المثال اعتبره عقد وكالة إذ يجب تطبيق أحكام الوكالة على العلاقة بين المحامي الوكيل والموكل طالب الاستشارة وخاصة الحالة التي يتجاوز فيها عمل المحامي مهمة تقديم الاستشارة.
والالتزام بتقديم الاستشارة قد يكون التزام أصلي بمعنى أن المحامي المستشار لا يعد منفذاً لالتزامه إلا بتقديم الاستشارة القانونية وقد يكون التزاما تابعاً للالتزامات أخرى أصلية ورئيسية كتمثيل الطرف طالب الاستشارة أمام القضاء.
أخيرًا الاستشارة القانونية أوسع بكثير من الشكل التقليدي وينبغى على المحامي أن يطلع على شكل تقديم الاستشارة القانونية المكتوبة بشكل احترافي، ويجب كذلك أن يقوم المحامي بدوره الاجتماعي والتضامني بتقديم الاستشارة القانونية المجانية لغير القادرين ماديًا بالتوازي مع ما يقدمه من استشارة بمقابل.