مقالات

الدكتور ظريف حسين يكتب: قطبان لا يجتمعان أبدا!

خط أحمر

لقد قررت أكثر من مرة- في كتاباتي- أن التصوف ظاهرة دينية سلبية؛ ولذلك فإنه صفة مطلوبة يعشقها المستعمرون في الشعوب المغلوبة، وهذه ملاحظة مبدئية.

وابن تيمية، ككل شخصية إنسانية، لا يمكن فهمه إلا في سياقه التاريخي؛ فقد عاش في ظل احتلال التتار للأراضي الإسلامية، فكان، بالتالي، صوت الشعب،و سيف الحق، ومعول الهدم، وثورة ضد الغازي الغاشم. وما كان المسلمون وحتي اليوم يملكون إلا العقائد الدينية يوظفونها كيف يشاؤون. ولذلك فقد أسيء استعمال أقواله من جميع الأطراف المتنازعة: فالداعشيون، مثلا، يرونه إماما للمجاهدين المتقين، كما يرون معارضيهم طواغيت يجب جهادهم؛فالمعارض السياسي يصبح ببساطة شيطانا دينيا. فمفتاح فقه ابن تيمية، إذن، هو كلمة "الجهاد" هذه التي أصبحت كالقنبلة النووية، فتَّاكة في أيدي من وقعت عليها يداه.

وهذه هي سر العداوة الثقافية لابن تيمية الذي كان متحمسا متشددا في وجه الفوضي التي عمت بلاده آنذاك، وكذلك ضد خصومه. ولذلك فقد عشقه المتشددون، بصفة عامة، حتي في ظل الظروف التي لا تستدعي أي تشدد!

وابن عربي، من جهة أخري، يؤمن بأن الله والأشياء شيء واحد، وأن الحق والباطل مظهران لله نفسه، وبالتالي فإن كل الأديان واحدة، وإن الله هو الشيطان، والعكس صحيح، أيضا؛ أي أن "الوجود" بهلوان! وهذا، ببساطة، يسمح بـ"التنوع" في الأديان، كما يسمح بتأويلها، وبنشر السلام بين من دب بينهم الخصام! فما تراه أنت باطلا أراه أنا حقا وصدقا. وبذلك يمتنع داعي"الجهاد" وينتفي مفهوم "الحرب" و"القتال"؛ ببساطة لأن العدو حبيب والحبيب عدو ظاهريا، فحسب.

وبالاختصار: لقد خلط ابن عربي كل شيء بكل شيء، فلَكَ، وأنت تسري بالليل البهيم، أن تتخيل أنك تسمع وتري أشياء غير مرئية فعلا، وعندما ينشق الصبح تحكي لأترابك من الأطفال ما شاهدته أنت بالليل من أهوال أو من آيات الجمال! فإذا كنت قد رأيت الأهوال فإنك إذن كنت تفكر في ابن تيمية، وإذا وصفت الجمال فإنك كنت مخمورا مبهورا بابن عربي. وهذا يعني أنهما قطبان لا يمكنهما أن يجتمعا في عقل واحد أبدا!

الدكتور ظريف حسين قطبان لا يجتمعان أبد خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة