مقالات

الدكتور ظريف حسين يكتب: الإنسان بين هداية الله وغواية الشيطان!

خط أحمر

إن محاولة بعض المسلمين التأكيد علي الفضل الإلهي، بتوفيقنا إلي ما يحبه ويرضاه، غالبا ما تضر بالمدي الذي يجب علي المسلمين أن يكونوا فيه مسئولين عن أفعالهم، وخاصة في واقعهم الحاضر، وفي إخفاقاتهم الحضارية؛ فتوفيق الله لنا - أو تخليه عنا - لا يعني أنه يجبرنا علي العمل، أو أنه يعمل نيابة عنا، وهذه هي أكبر أزمة في ذهنية أكثر المسلمين، وهُم بذلك يتكاسلون، أو هم يعلقون شئونهم علي فضل الله أو سخطه عليهم! فيلجأون إلي استرضائه بأقوال كالأدعية، والاستغفار، والأذكار، أو حتي الأوراد التي يكررونها بانتظام.أو حتي بأفعال يعدونها عظيمة القدر لو فعلوها، وعظيمة الذنب لو تركوها، رغم هوانها بالنسبة لعظمة ملك الله وجَدِّه وحكمته، كإعفاء اللِّحَي، مثلا.

ورغم أن وظيفة مثل هذه الأقوال تنحصر في كونها "تعبدية" فقط؛ أي بوصفها إقرارات دائمة من المتدينين بأنهم يعيشون في كنف الله، ولا يمكنهم التفريط في جنبه، فإن أكثر المؤمنين يعتقدون بأن هذه الأقوال تحل محل الأفعال، وأن الله سيغير من أقدار هؤلاء المتقين الشكليين. وهذا محض أوهام: والدليل هو عدم قبول الاستغفار والتوبة ما لم يكن ذلك مصحوبا بعزم من يتوب علي عدم العودة إلي مقارفة الذنوب. إذن فإن الله لا يغفر لنا مجانا، كما لن ينعم علينا أو ينقم منا مجانا؛ وإلا لانتفي عدله، وضاع سدًي فضلُه، وحاشاه!

وإذن فإن الله يحكم العالم بقوانين صارمة، هي قوانين الطبيعة، وهو لم يَسُن هذه القوانين ليخرقها كلما دعاه داعٍ أو ناجاه مناجٍ، كما أن الله أعدل من أن يحابي المؤمنين الذين ينتهكون قوانينه: فاحترام قوانين الطبيعة هو احترام لله نفسه. ولذلك فإن أولئك الذين يجعلون الطبيعة خصيما لله واهمون، وبذلك فما كان العلم الطبيعي يوما خصيما للدين.

والنتيجة هي أن وضع الله والمادة وجها لوجه وكأنهما نقيضان هو وهْم كبير، وهذا لا يعني أن الله مادة، بل معناه أن الله يعمل من خلال المادة؛ فلم نصادف أبدا أرواحا خالصة؛ فكل الأرواح تتلبس أجسادا مادية.

ومن الناحية الأخلاقية - وهذا ما يهمنا - فإن "هداية الله" تكافئ "غواية الشيطان" في القوة، ولكنها تضادها في الاتجاه (قوة = مقاومة): فالله يجذبنا إليه بالقوة نفسها التي يجذبنا بها الشيطان - مهما كانت طبيعته - ولكن "عقولنا" نحن هي التي تحسم الأمر في النهاية!

الدكتور ظريف حسين الإنسان بين هداية الله غواية الشيطان خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة