مقالات

نيفين منصور تكتب: على الرف

خط أحمر

لكل منا مجموعة من الأرفف نضع عليها أشياء وأشياء،، منها من اعتادنا علي استعماله بصورة يومية ومنها من نحتفظ به للذكري أو ربما لغلاء ثمنه وقيمته ،، قد نضع الطعام علي الرف وقد نضع الكتب علي الرف وغيرها من الأشياء مهما زادت قيمتها أو قلت،، ولكن لا يقتصر الأمر علي تلك الأشياء.. فأحيانا أخري نجد أنفسنا علي إحدي تلك الأرفف ربما في المنزل أو في العمل أو بين الأصدقاء.

أصعب ما في الحياة أن تجد نفسك علي الرف دون أن تشعر ،، تجد نفسك لا تمثل لمن حولك الأهمية أو القيمة التي كنت تتمناها ،، فتصبح مع الوقت مثلك مثل تلك الأشياء التي تمتلكها وتستعملها وتضعها علي الرف.

قد يحدث ذلك في محيط الصداقة ،، فتجمعك الظروف بمن تظن أنك مقرب منه .. وتسعد بالحديث معه.. ويوهمك بأنك الصديق المقرب.. ثم تثبت لك الأيام أن تلك العلاقة لم تكن كما كنت تظن .. فأنت صديق بصورة مجازية ولكن في الحقيقة أنت علي الرف.. قد يستخدمك صديقك وفقا لهواه.. و في أوقات محددة ربما حينما يحتاجك في إحدي المصالح وربما للنصح وقت الحاجة أو كما يفعل البعض للفت نظر آخرين .

قد تتحمل تلك العلاقة لوقت من الزمن وقد تنفر مع الوقت ويصل بك الحال إلي اتخاذ القرار بالانسحاب النهائي أو بتقنين تلك العلاقة لتتحول من صداقة مقربة إلي مجرد زمالة أو معرفة أو حتي علاقة متباعدة تجدد فقط في المناسبات سواء بالتهنئة أو بالتعازي أو في أوقات الأزمات..الأزمة الأكبر هي إحساسك المستمر بأنك لم تُقَدر حق التقدير من ذلك الصديق الذي أحببته أو ظننت يوما أنك تحتفظ بمكانة مختلفة عنده.

الأخلاء أو الأصدقاء هم جزء حقيقي من حياتنا ،، لهم تأثير جوهري فالبعض منهم يكون السند الحقيقي أحيانا عندما تشتد الحياة وتتأزم و تمتليء بالضيق والحزن فنحتاج من يعاوننا لتخطي تلك الأزمات.. وخصوصا في مرحلة الطفولة والصبا ،، فالحياة بلا أصدقاء في تلك المراحل تولد الشعور بالعزلة والانطوائية ورفض التفاعل مع المجتمع،، فيشعر البعض بأنه منبوذ وغير مقبول لدي الآخرين عندما يجد نفسه في تلك المراحل العمرية بلا صحبة طيبة وبلا أصدقاء يحبونه بعيدا عن المصالح،، فيفقد الثقة في التعامل مع المجتمع ككل.. ويكتفي ربما بأسرته فقط .

وقد يحدث أيضاً أن توضع علي الرف في مجال العمل،، تحاول أن تثبت ذاتك بكل الطرق الممكنة ولكن دائما لا يلتفت إليك أصحاب العمل ،، وتجد أنك رغم اجتهادك كم مهمل أو مركون لحين الحاجة ،، فتجد نفسك مع الوقت تفقد الحماس الذي كنت تعمل به ،، وربما تترك العمل ،، أو تسعي للانتقال إلي غيره،، وإذا فشلت في هذا وذاك نتيجة لقلة الفرص ،، تتهاوي قدراتك علي التحمل وتتأزم نفسياً حتي يصبح هذا الأمر مصدر للضغط النفسي المستمر ،، وقد ينتهي بك الأمر إلي فقدان الثقة في المجتمع وربما في نفسك لأن شعور القهر يتملك فؤادك ويقضي علي قدرتك علي الاستمرار.

والأصعب أن تجد نفسك علي الرف في حياة شريك حياتك ،، سواء كان الزوج هو من يلعب هذا الدور أم الزوجة،، هذا الشعور أشد من القتل ،، فالقتل يريح ،، يشعر المقتول بالألم لوقت محدود ثم يترك الحياة وينتقل إلي عالم آخر بعيد تماما عن هذا العالم الدنيوي الذي أصابه بالقهر،، أما شعور الإهمال أو أنك علي الرف في حياة من يشارك تفاصيل حياتك بالكامل شعور مدمر،، فهو يشعرك دائما أنك لا تمثل الأهمية التي كنت تتمناها،، وربما تأتي دائما بعد شخص معين في الأهمية أو ربما بعد العمل أو بعض الاهتمامات الأخري.

الحياة قد تٌحْتَمل مع وجود صديق يشعرك أنك علي الرف لأنك بكل بساطة تستطيع أن تبتعد عنه أو تبحث عن صديق آخر يحقق لك التوازن النفسي في علاقة الصداقة،، كذلك الحال إذا شعرت أنك علي الرف في العمل ،، ولكن تجد من حولك من الأصدقاء أو الأقارب أو شريك الحياة الذي يدعمك ويعوضك عن الإحساس بالقهر قد تتحمل تلك المعاناة حتي تجد مكانا آخر تستطيع أن تحقق فيه طموحك المهني ويشعرك أنك نجحت نجاحا ملموسا مقدرا من الجميع،، أما عندما تشعر أنك علي الرف في حياة شريك الحياة فهذا الشعور في منتهي الخطورة لأنك لن تستطيع استبداله بكل سهولة ويسر ،، لحسابات كثيرة وعوامل متعددة منها هدم المنزل وتشتيت الأولاد إن وجدوا ..

البعض قد يتمتع بالإيمان والقرب من المولي عز وجل فيصبر ويحتسب ويتملكه أحيانا المرض و الاستيئاس وسرعان ما يحاول ترميم ما تم هدمه من قوة تحمل أو روح تمزقت من الإحساس بالإهمال ،، ويحيا في محاولات من البناء بعد الهدم ،، إلي أن يموت أو أن يقضي الله أمرا آخر يجعل الحياة تستقيم ،، ولكن البعض الآخر لا يستطيع أن يتحمل ولا يتمتع بتلك الطاقة النورانية ،، فلا يجد أمامه سوي المرض رفيق دائم،، أو الازدواج فتنقسم حياته إلي نصفين نصف معلن أمام الجميع بما فيهم شريك حياته،، والنصف الآخر في الخفاء ،، يصنع فيه سعادته بصورة وهمية ،، في عالم افتراضي ،، ويفتح أحيانا أبواب الشيطان،، ويبحث عن من يعوضه عن الشعور الدائم بأنه كم مهمل ،، ليس من الأولويات في حياة شريك حياته ،، وربما تصاحب تلك المشاعر الشعور بالرفض لبعض الصفات التي قد تقضي علي ما تبقي من صبر وقدرة علي التحمل..

لذلك أمرنا المولي عز وجل بالتروي في الاختيار والتعامل بالمودة والرحمة ووصف الزواج بالسكن الذي يبعث الطمأنينة في القلوب حيث قال في كتابه الكريم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). والتفكر هنا له دلالات كثيرة ،، فمن يتعمق في معني الآية الكريمة يستطيع بكل سهولة ويسر أن يستوعب الآثار المترتبة علي عدم التعامل بالمودة والرحمة والإهمال الذي يؤدي إلي كوارث ،، فما يحدث في مجتمعاتنا العربية بصفة عامة من علاقات غير شرعية أساسه عدم التعامل بالمودة والرحمة والإهمال المستمر الذي يفتح أبواب الفتنة علي مصراعيها،، ويؤدي إلي مأساة حقيقية لا يجب علينا تجاهلها،، بل يجب التوقف عندها والتفكر في أسبابها ،، ومحاولة الإصلاح قدر المستطاع.

وقد حثنا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم علي الاهتمام بتلك العلاقات التي تحمي المجتمع من الانهيار في أحاديث متعددة حيث قال(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) وليس المقصود هنا بالخير هو العطاء المادي فقط،، لأن الإنسان يحتاج إلي الدعم النفسي بطبعه كما يحتاج إلي الاحتواء ،، ولا تستقيم الحياة بمجرد توفير المأكل والملبس والمظاهر الخلابة التي تلفت أنظار الباحثين عن المال فقط،، ولكن الشعور بالأمان أمر شديد الأهمية،، والأمان له معاني كثيرة ،، وليس فقط الظاهر منها ،، فالأمان النفسي والمشاعر المتبادلة يغذي الروح قبل الجسد ،، فإذا تجمدت المشاعر وأصبحت الحياة مجرد تلبية الاحتياجات الإنسانية الطبيعية من مأكل ومسكن وملبس ،، تصبح الحياة فارغة وبلا معني وتفقد الروح بريقها مع الوقت،، وتنطفئ السعادة.

نيفين منصور على الرف خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة